تستنكر مؤسسة الحق جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحقّ الفلسطينيين والفلسطينيات، ومنها إعدام شابين يوم أمس الخميس الموافق 27 تشرين الثاني/نوفمبر في مدينة جنين، وهما المنتصر بالله محمود قاسم عبد الله ويبلغ عمره حوالي 26 عاماً، ويوسف علي يوسف عصاعصة وعمره حوالي 37 عاماً. وتطالب مؤسسة الحق المجتمع الدولي بالتدخل الفوري وفرض عقوبات على الاحتلال وملاحقته على جرائمه المستمرة بحقّ الشعب الفلسطيني.
حيثيات الجريمة:
تشير التحقيقات وما جُمع من قبل فريق البحث الميداني في مؤسسة الحق إلى أنّ قوة عسكرية إسرائيلية خاصة، وفقاً لروايات شهود العيان، تسلّل عناصرها إلى حي جبل أبو ظهير في مدينة جنين بواسطة مركبتين تحملان لوحات تسجيل فلسطينية، وذلك في تمام الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الخميس الموافق 27 تشرين الثاني/نوفمبر، وسط استمرار عملية «الأسوار الحديدية» التي ينفذها الاحتلال في منطقة جنين والتي بدأت بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير 2025 وما تزال مستمرة حتى اليوم. وانتشر عناصر القوة الخاصة بالزي العسكري وهم مسلحون ومعظمهم مقنّعون، وفرضوا طوقاً عسكرياً على عدة منازل وبنايات سكنية في أحد أحياء جبل أبو ظهير. وتزامن ذلك مع تحليق طائرات استطلاع، ثم وصلت طائرة مروحية عسكرية حلّقت في سماء المنطقة على ارتفاعات متفاوتة.
بعد دقائق، وصلت عدة مركبات عسكرية متنوعة الأحجام إلى الموقع المستهدف، وأغلقت القوات الإسرائيلية المنطقة بشكل تام من خلال الانتشار في الشوارع المؤدية إليه، إضافة إلى احتلال منازل ونشر قناصة بعد مداهمة عدد منها. ومن خلال المعلومات الأولية، تبيّن أن المنزل المستهدف يعود لعائلة زيدان، ويقع أسفله مخزن تجاري من الجهة الشرقية. ولم يتّضح إن كان هناك اشتباك مسلح، إلا أن طبيعة إطلاق النار كانت متقطعة وغير كثيفة.
في حوالي الساعة 1:45 بعد الظهر، خرجت من معسكر «دوتان» جنوب جنين جرافة عسكرية إسرائيلية من نوع D9 محمولة على شاحنة لنقل الآليات الثقيلة، ترافقها عدة جيبات عسكرية. وسمعت نداءات عبر مكبرات الصوت تطلب من شخص أو أكثر الخروج وتسليم أنفسهم. وصلت الجرافة إلى أمام منزل عائلة زيدان، وتحديداً باب المخزن، ووفقاً لما وثقته كاميرات الصحفيين، قامت الجرافة عند الساعة 3:30 تقريباً بضرب الباب المعدني للمخزن ودفْعه إلى الداخل حتى أصبح مفتوحاً، خصوصاً في الجزء السفلي. وتم ذلك وسط انتشار لجنود الاحتلال في محيط المكان.
وبعد وقت قصير، وثّقت كاميرات الصحفيين خروج شابين أعزلين من داخل المخزن عبر الفتحة السفلية للباب. وشوهد الشابان وهما يرفعان ملابسهما العلوية في إشارة إلى عدم حيازتهم أي شيء يشكّل خطراً، ويُرجّح أن ذلك جاء استجابة لتعليمات الجنود المتواجدين على بعد أمتار قليلة منهما. بعدها هاجم عدد من الجنود الشابين فور خروجهما، وطرحهما أرضاً واعتدوا عليهما بالركل بينما كانت الأسلحة مصوبة نحوهم من مسافات قريبة. في تلك اللحظة كان الجنود قد سيطروا عليهما تماماً دون أي مقاومة أو تهديد.
المفاجئ أن الشابين نهضا بعدها بقليل، أحدهما ماشياً والآخر زحفاً، وعادا إلى داخل المخزن رغم أنهما كانا على مدخله تماماً وعلى مسافة لا تتجاوز متراً واحداً، ويُرجح أن عودتهما تمت بأمر مباشر من الجنود نظراً لسلوك القوة الذي لم يُظهر رفضاً أو محاولة لمنعهما. ومع دخول الشابين إلى المخزن، أطلق عدد من الجنود النار عليهما من مسافة تتراوح بين متر ومترين، كما وثّقت كاميرات الإعلام لحظة إطلاق النار المباشر عليهما. وتشير المعلومات إلى أن إطلاق النار كان كثيفاً واستمر عدة ثوانٍ.
بعد نحو 10 إلى 15 دقيقة، شوهد الجنود وهم ينقلون جسدين إلى مركبة عسكرية غادرت الموقع، بينما استمر انتشار القوات الإسرائيلية حتى حوالي الساعة السادسة والربع مساءً. وقد احتجزت قوات الاحتلال الجثمانين، وأُعلن لاحقاً، حوالي الساعة السابعة والنصف مساءً، عن هويتهم من خلال الارتباط الفلسطيني ووزارة الصحة الفلسطينية.
تؤكد جميع المعلومات الميدانية والمواد المصوّرة أن ما تعرض له الشابان كان عملية إعدام خارج إطار القانون، حيث تمت السيطرة عليهما تماماً ولم يشكّلا أي تهديد يبرر قتلهما، خصوصاً بعد استسلامهم.
وعلى الرغم من ادعاء الاحتلال فتح تحقيق في الجريمة، والتي تشكّل قتلاً خارج نطاق القانون وجريمة حرب وفقاً للقانون الدولي، إلا أن ذلك يأتي في سياق محاولة للتغطية على الجريمة، لا سيما أنها موثقة بوضوح ونُشرت على نطاق واسع دون التباس في تفاصيلها. وننوّه إلى أن القتل المتعمد خارج إطار القانون سياسة ممنهجة ينتهجها الاحتلال بحق الفلسطينيين والفلسطينيات في الأرض الفلسطينية المحتلة. كما نشير إلى أن سياسة القتل خارج القانون والإعدام الميداني تُمارس بشكل واضح وممنهج، بما في ذلك بحق الأطفال، وتُنفّذ في قطاع غزة ضمن الحملة العسكرية الجارية التي تضم جرائم إبادة جماعية وجرائم دولية أخرى.
كما نذكّر بوجود مئات الفلسطينيين المختفين قسراً من قطاع غزة دون أي معلومات حول مصيرهم أو أماكن احتجازهم، أو ما إذا كانوا ما يزالون على قيد الحياة أم قُتلوا بالطريقة ذاتها وأُعدموا ميدانياً.