القائمة الرئيسية
EN
رسالة تحذير من مؤسسة الحق: على المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات ملموسة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى
01، نوفمبر 2014

130308-alaqsa-9a.photoblog900ما تزال القدس الشرقية المحتلة تشكل بؤرة ساخنة تشهد اندلاع المواجهات بين قوات الاحتلال الإسرائيلية والمواطنين الفلسطينيين. وقد تصاعدت حدة التوتر في المدينة منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي بسبب ما تقوم به إسرائيل من استهداف الحرم القدسي الشريف. فعلى الرغم من أن المسجد الأقصى ما يزال تحت الوصاية الأردنية منذ ضم القدس الشرقية إلى إسرائيل بصورة غير قانونية في العام 1967، فما تفتأ إسرائيل تمارس سيطرتها الفعلية عليه. كما أعلنت لتوها إغلاقه حتى إشعار آخر. وقد بدأ التوتر يشوب الوضع الراهن في يوم 24 أيلول/سبتمبر 2014، بعدما منعت قوات الاحتلال الإسرائيلية المصلين المسلمين من دخول الحرم وسمحت للإسرائيليين من أتباع التيارات اليمينية، بمن فيهم المستوطنين، بالتجول في باحاته عدة مرات خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر. وواصلت قوات الشرطة الإسرائيلية توفير الحماية للمستوطنين الذين اقتحموا باحات الحرم عنوةً عدة مرات خلال الشهر نفسه. وقد أفضت الإجراءات الأمنية المشددة التي تنفذها إسرائيل في المسجد الأقصى إلى اعتقال العديد من المواطنين الفلسطينيين وتقييد قدرتهم على الوصول إليه من خلال تحديد أعمار من يسمح له بدخوله. وتواصل إسرائيل استخدام القوة في تفريق المصلين المسلمين وطردهم من الحرم، بمن فيهم أولئك الذين ينظمون الاعتصامات التي ترمي إلى الدفاع عنه. كما قُدم مشروع قانون إلى البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بهدف تقسيم المسجد الأقصى.

ويساور القلق العميق مؤسسة الحق من هذه الإجراءات الإسرائيلية الاستفزازية التي ستفضي إلى تأجيج أعمال العنف وتصاعدها في الأرض الفلسطينية المحتلة، وربما في البلدان المجاورة أيضًا. وتحث المؤسسة المجتمع الدولي على النظر إلى الأحداث الأخيرة ضمن سياق محلي وإقليمي أعم وأشمل، وتدعوه إلى اتخاذ إجراءات فورية وملموسة، بما فيها استعراض الإجراءات التي تنفذها إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، بغية مساءلتها عن الانتهاكات التي تمس القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

لقد دأبت إسرائيل والمتطرفون الإسرائيليون على استهداف المسجد الأقصى بصورة متواترة منذ العام 1967. ومن جملة الأحداث التي مست المسجد:

  •  في شهر كانون الثاني/يناير 1986، نفذ بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي والمتطرفون اليهود زيارتين إلى المسجد الأقصى، مما تسبب في اندلاع المواجهات مع المواطنين الفلسطينيين.
  •  وفي يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر 1990، رافقت قوات الاحتلال الإسرائيلية عددًا من المستوطنين الذين اقتحموا الحرم القدسي. وتلا هذا الاقتحام اندلاع المواجهات مع المواطنين الفلسطينيين، حيث أطلقت قوات الاحتلال النار عليهم وقتلت 17 مواطنًا وأصابت ما لا يقل عن 150 آخرين بجروح. وقد صدر قراران عن مجلس الأمن الدولي، يدين فيهما أعمال العنف، و"يعبر عن جزعه" مما أقدمت عليه إسرائيل من رفض القرار السابق.
  •  وفي شهر أيلول/سبتمبر 1996، افتتحت إسرائيل مدخلًا إلى نفق بالقرب من المسجد الأقصى، مما أثار المواجهات في جميع أنحاء الضفة الغربية. وقد نجم عن هذه الأحداث مقتل ما لا يقل عن 62 مواطنًا فلسطينيًا وإصابة 1,600 مواطن آخر. واعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1073 (1996)، الذي دعا إلى "وقف فوري والتراجع عن جميع الأعمال التي أدت إلى تفاقم الوضع."
  •  وفي شهر أيلول/سبتمبر 2000، زار أريئيل شارون الذي رافقه ما يربو على 1,000 عنصر من عناصر الشرطة الإسرائيلية الحرم القدسي. وقد أثارت هذه الزيارة المظاهرات وتسببت في إطلاق شرارة الانتفاضة الثانية. وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1322، الذي يشجب "التصرف الاستفزازي الذي حدث في الحرم الشريف في القدس يوم 28 سبتمبر 2000،" ويدين "الاستخدام المفرط للقوة ضد الفلسطينيين، مما أدى إلى وقوع إصابات وخسائر في الأرواح البشرية."

ولا تُعتبر التصريحات التي صدرت مؤخرًا عن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن الإبقاء على الوضع القائم واحترام إسرائيل لحرية العبادة مخادعة فقط بالنظر إلى الأحداث السالفة، بل هي تتخلف عن الاعتراف بالانتهاكات الروتينية التي دأبت إسرائيل على ارتكابها ضد حق الفلسطينيين في حرية الدين، بما يشمله من حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة. فلم تنفك إسرائيل عن حرمان المواطنين الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين من حقوقهم في حرية التعبد في مدينة القدس، بل تستفحل حالات الخرق الواقعة على هذه الحقوق خلال فترات الأعياد اليهودية. وعلى وجه الخصوص، تمنع إسرائيل الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد الأقصى بصورة منتظمة من خلال إجراءات الحظر التعسفية التي تستند إلى تحديد أعمار المواطنين الذين يستطيعون دخوله وجنسهم.

وفضلًا عن ذلك، تحظر قوات الاحتلال الإسرائيلية على المواطنين الفلسطينيين، الذين تعتقلهم وتحتجزهم بصورة تعسفية، دخول المسجد الأقصى كشرط لإطلاق سراحهم من سجونها. فعلى سبيل المثال، اعتلقت القوات الإسرائيلية الطفل مالك باسم اعسيله، الذي يبلغ من العمر 13 عامًا، في يوم 18 نيسان/أبريل 2014، بحجة إلقاء الحجارة، وهي تهمة نفاها مالك. وأطلقت القوات الإسرائيلية سراح مالك، بعد احتجازه لما يقرب من ست ساعات، بشرط عدم توجهه إلى الحرم القدسي لمدة ثلاثة أسابيع.

ولا تنبع الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، بما فيها مشروع القانون الذي طُرح أمام الكنيست، من حفنة من المتطرفين الإسرائيليين الذين ينظرون إلى ما يقومون به من اقتحام باحات الحرم القدسي باعتباره حقًا دينيًّا لهم، بل تشكل هذه الإجراءات جزءًا من الخطة الشاملة التي تنفذها إسرائيل بغية السيطرة على القدس بكاملها. وتلقى هذه الإجراءات الدعم والمساندة من سلطات الاحتلال الإسرائيلية.

وينبغي للمجتمع الدولي أن ينظر إلى التصرفات الاستفزازية التي تقْدم عليها إسرائيل في ضوء ما قامت به من ضم القدس الشرقية دون وجه قانوني في العام 1967 وفي ضوء إستراتيجيتها العامة التي تدعم الاحتلال وترسخه. فما تفتأ إسرائيل تنفذ، منذ العام 1967، مجموعة متنوعة من السياسات التي تستهدف عزل القدس الشرقية عن باقي أراضي الضفة الغربية، وفرض القيود على حقوق المواطنين المقدسيين، وتهويد المدينة المقدسة في الوقت نفسه. ولا تنفك إسرائيل تنفذ مثل هذه الإجراءات في الضفة الغربية، حيث تعمل المستوطنات الإسرائيلية على تغيير التركيبة الديموغرافية في هذه المنطقة وتغيير معالمها.

وبالنظر إلى تاريخ إسرائيل، بما يشمل ما أقدمت عليه من تقسيم الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل في العام 1994 وعدم مساءلتها عن أي من أفعالها، فقد غدا مشروع القانون الذي قُدِّم إلى الكنيست أمرًا متوقعًا. غير أنه ما لا يمكن لأحد أن يتوقعه هو التبعات التي تجرّها الاعتداءات التي تواصل إسرائيل ارتكابها بحق المسجد الأقصى، بما في ذلك إغلاقه في الآونة الأخيرة واحتمالية تقسيمه. وفضلًا عن ذلك، ينتاب مؤسسة الحق قلق بالغ من أن تستتبع الإجراءات الإسرائيلية آثارًا إقليمية أوسع، بالنظر إلى أن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين عند المسلمين. فمنطقة الشرق الأوسط تغلي بالتوترات الطائفية، ومن شأن مواصلة التصرفات الاستفزازية التي تنفذها إسرائيل في الحرم القدسي أن تحول الصراع السياسي الحالي إلى صراع ديني.

وحسبما تنص عليه مشاريع المواد التي أعدتها لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليًا، ينبغي للدول أن تتحمل المسؤولية عن "وضع حد، بالوسائل المشروعة، لأي إخلال خطير" بموجب أحكام القانون الدولي. كما تنص محكمة العدل الدولية، في فتواها بشأن الجدار، على التزام جميع الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة "بالتأكد من امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي كما يتمثل في تلك الاتفاقية". وبناءً على ذلك، تحث مؤسسة الحق الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة على عقد مؤتمر جديد لاستعراض أفعال إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال واتخاذ الإجراءات الملموسة بناءً على هذا الاستعراض. كما تحث المؤسسة المجتمع الدولي على إنفاذ التدابير اللازمة، بما فيها العقوبات من قبيل حظر السفر، بحق المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في ارتكاب الاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين، وذلك من أجل وضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب ووقف أي إجراء يستهدف تقسيم المسجد الأقصى أو تغيير معالمه بأي شكل من الأشكال.

لقد تجاوز الوضع مرحلة الشجب والاستنكار. فلن تتغير السياسة الإسرائيلية دون اتخاذ إجراءات ملموسة تردعها.