أصدرت المحكمة العليا في المملكة المتحدة، اليوم، حكمها في الدعوى التي أقامتها مؤسسة الحق ضد الحكومة البريطانية على خلفية استمرارها في إصدار تراخيص توريد قطع طائرات (F-35) ضمن سلسلة الإمداد العالمية. وصرّحت المحكمة بأنها لم تتبين وجود أي أخطاء قانونية تعتري القرارات التي اتخذتها الحكومة وأنه لا يمكن الاحتكام إلى القضاء في بعض جوانب الطعن المرفوع، بمعنى أنها تقع خارج نطاق اختصاص المحاكم. وهذا يطرح السؤال: ما هي الجهة التي تتولى مساءلة حكومة المملكة المتحدة ومحاسبتها في المسائل المتعلقة بالقانون الدولي؟ ومن يضمن أن الحكومة تفي بالتزاماتها بموجب القانون المحلي واتفاقيات جنيف، بما يشمل واجبها منع الإبادة الجماعية؟
وبيّنت المحكمة في حكمها أن: «تقدير المسألة محل النظر يعود، بموجب دستورنا، إلى السلطة التنفيذية التي تخضع للمساءلة الديموقراطية أمام البرلمان وجمهور الناخبين. ولا ينعقد الاختصاص لمحكمة من المحاكم الوطنية لكي تبتّ فيما إذا كان القرار الصادر عن السلطة التنفيذية في تلك المسألة يتماشى مع المعاهدات التي لا تتضمّنها التشريعات المحلية، والتي تندرج ضمن نطاق القانون الدولي.»
وقالت ديربلا مينوج، محامية في شبكة العمل القانوني العالمي - جلان: «لقد أصدرت المحكمة العليا اليوم حكمًا في واحدة من أهم الدعاوى التي رُفعت في المملكة المتحدة على الإطلاق، بيْد أنها رفضت الدعوى التي أقامتها مؤسسة الحق. ويُعَدّ هذا الحكم نكسة تبعث على الأسف في المسيرة التي تخوضها مؤسسة الحق في سبيل ضمان امتثال الدول كافة لأحكام القانون الدولي في علاقاتها مع إسرائيل. وهذا لن يردعنا – فقد حققت المعركة القانونية الطويلة التي خضناها مع مؤسسة الحق إنجازات كبيرة بالفعل، وأثبتت قدرة مؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني على إخضاع الدول للمساءلة والمحاسبة. ففي شهر أيلول/سبتمبر 2024، أجبرت هذه الدعوى الحكومة على تعليق تراخيص تصدير الأسلحة مباشرةً إلى إسرائيل، والتي كان من الممكن استخدامها في غزة – وهو ما يعدّ انتصارًا له أهميته. إننا نشعر بخيبة الأمل لأن القرار بشأن استثناء طائرات (F-35) لم يجرِ إلغاؤه، غير أن نضالنا لا يبلغ نهايته اليوم. فهذه الدعوى ما هي إلا جانب من معركة متواصلة في سبيل إعمال المساءلة وإقامة العدل وإنهاء الاحتلال. فالوضع في غزة يعدّ إهانة للقانون الدولي ووصمة عار على جبين إنسانيتنا المشتركة. ولا يزال في مقدور حكومة المملكة المتحدة أن تقرر التصرف، وعليها أن تفعل ذلك! ويتعين عليها أن تبذل كل ما في وسعها لوقف الإبادة الجماعية، لا أن تعمل على تمكينها.»
وقال شعوان جبارين، المدير العام لمؤسسة الحق: «أفرزت هذه القضية التي امتدت على مدى فترة طويلة تأثيرًا لا يُستهان به في أثناء السير في إجراءاتها، بما شمله ذلك من إسهامها في إجبار الحكومة على تعليق تراخيص تصدير الأسلحة مباشرةً إلى إسرائيل تعليقًا جزئيًا، وخاصة قطع طائرات (F-35). لقد حققت مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان اختراقًا بالغ الأهمية بكشفها عن إخفاقات الحكومة الجسيمة التي تيسّر الجرائم الدولية التي تُقترف بحق أبناء الشعب الفلسطيني من خلال صادراتها من الأسلحة، وسوف نواصل عملنا الدؤوب داخل المملكة المتحدة وخارجها حتى إخضاع الحكومات للمساءلة والمحاسبة على أعمالها والوقوف في وجه سياسة الإفلات من العقاب التي تنتهجها إسرائيل وإنجاز العدالة لصالح أبناء الشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من النتيجة التي شهدناها اليوم، فقد وضعت هذه الدعوى صوت الشعب الفلسطيني في موضع الصدارة وأبرزته، وحشدت دعمًا عامًا واسع النطاق – وما هي إلا البداية. وهذا هو ما يهم: أن نواصل العمل على جميع الجبهات في سبيل الدفاع عن قيمنا الإنسانية المشتركة وأن نسعى نحو تحقيق العدالة للفلسطينيين والفلسطينيات. وتأتي هذه القضية في سياق جريمة الإبادة الجماعية التي ما انفكت تُرتكب بلا هوادة في غزة، وبعد 77 سنة من نشأة نظام الفصل العنصري القائم على الاستعمار الاستيطاني والاحتلال. ولهذا السبب، فإننا نحثّ المواطنين وأعضاء البرلمانات والمجتمع المدني على إخضاع الحكومة للمساءلة ومحاسبتها حتى تفي بالتزاماتها التي تملي عليها منع الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي.»
رفعت مؤسسة الحق الفلسطينية المعنية بحقوق الإنسان، وشبكة العمل القانوني العالمي (جلان) هذا الطعن في شهر كانون الأول/ديسمبر 2023.
وصدر قرار المحكمة على شبكة الإنترنت في الساعة 10:30 صباحًا من يوم الإثنين، 30 حزيران/يونيو، على الموقع الإلكتروني للأرشيف الوطني.