تؤكد الحق على حق المدنيين في الحماية من الاستهداف المباشر بموجب القانون الدولي، وفي سياق التصعيد الخطير ضد الفلسطينيين في قطاع غزة الذي استمر من يوم الجمعة الثالث من أيار 2019 وحتى يوم الأحد الخامس من أيار 2019، تعبر مؤسسة الحق عن أسفها العميق حيال قصور بيان الاتحاد الأوروبي عن إدانة مقتل 25 فلسطينيًا بما فيهم 13 مدنياً من بينهم أطفال، وجرح أكثر من 150 آخرين خلال هذا التصعيد. كما خلى البيان من أي مطالبة لإسرائيل، بصفتها قوة احتلال، بوقف إطلاق حوالي 130 قذيفة مدفعية وحوالي 200 صاروخًا استهدفت أكثر من 140 هدفًا في قطاع غزة بما فيهم 20 منزلا وعمارة سكنية، ومسجدًا واحدًا، وورش حدادة وخراطة ونجارة، وثلاثة مقرات أمنية، وسيارتين، وست دراجات نارية ومركبات آلية، وحوالي 40 قطعة من الأراضي الزراعية في كافة أرجاء قطاع غزة المحاصر [2].
وفي الوقت الذي يُشير فيه بيان الاتحاد الأوروبي إلى الحاجة "لتخفيف معاناة المواطنين في قطاع غزة الذين يدفعون ثمنًا باهظًا من حيث سقوط العديد من الضحايا الذين ننعيهم" إلا أن البيان لا يتضمن أي إشارة حول الأسباب الجذرية لمعاناة الفلسطينيين ومحنتهم طويلة الأمد. ففي قطاع غزة، تعود أسباب هذه المعاناة إلى حالة الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ أكثر من 11 عامًا، الأمر الذي يصل لمصافّ العقوبات الجماعية غير القانونية، التي جعلت غزة غير قابلة للحياة الآدمية، وفق ما أكدته تقارير الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا بهذا الشأن.
عجز بيان الاتحاد الأوروبي، عن الإشارة إلى ضرورة قيام إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بوجوب رفع الحصار غير القانوني الذي تفرضه على قطاع غزة فوراً، وذلك بموجب توصيات لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة فيما يتعلق بالاحتجاجات المدنية التي حدثت في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال عام 2018. بالتالي، فإن هذا البيان يثير قلقًا جديًا حول حقيقة التزام الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك التزام عدد من الدول الأعضاء فيه، حيال إعمال حقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف.
فشل بيان الاتحاد الأوروبي في وضع التصعيد الإسرائيلي الأخير ضمن السياق الأعم للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين في قطاع غزة في الفترة الممتدة بين 2008-2009، وفي العام 2012، والعام 2014. ولم يتضمن البيان أي إشارة لقيام إسرائيل باستخدام العنف في قمع المحتجين المدنيين العزل، خلال مسيرات العودة الكبرى، الأمر الذي أدى إلى قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتل 206 متظاهرًا فلسطينيًا في قطاع غزة منذ الثلاثين من آذار 2018، الأمر الذي قد يصل لمصاف ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
تستمر إسرائيل، منذ العام 1948، بفرض سيطرة فعلية غاشمة على فلسطين من خلال النكبة المستمرة، والحرمان الممنهج لحقوق الفلسطينيين، وإنشاء نظام من الهيمنة والقمع العنصري ضد الشعب الفلسطيني بما يصل إلى مصاف جريمة الفصل العنصري (الأربارتهايد). كما قامت إسرائيل، ومنذ العام 1967، بفرض احتلال استعماري طويل الأمد على الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وحرمان الفلسطينيين من حقهم غير القابل للتصرف في تقرير المصير والسيادة الدائمة على ثرواتهم ومواردهم الطبيعية، في سياق عملية متواصلة من التهجير، والاستيلاء على الأراضي والموارد، والنقل القسري للفلسطينيين.
يتقدم البيان إلى "الشعب الإسرائيلي" بخالص التعازي، وفي المقابل، فإن البيان لم يبادل الشعب الفلسطيني نفس التعازي فيما يتعلق بضحايا التصعيد الأخيرة من القصف المدفعي الإسرائيلي العشوائي، الأمر الذي يعكس انحيازا من قبل الاتحاد الأوروبي لصالح إسرائيل، قوة الاحتلال، واستعدادًا للتقليل من شأن معاناة الفلسطينيين بما يصل لمصاف الحط من قدر الضحايا الفلسطينيين. يندرج هذا الموقف الجديد والمستنكر من قبل الاتحاد الأوروبي ضمن سياق توجه أعمق مثير للقلق فيما يتعلق بمسار العلاقات الدولية الحالية حول فلسطين وهو الأمر الذي تجلى في التدابير والإجراءات غير القانونية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية من حيث نقل سفارتها من تل ابيب إلى القدس بشكل كرس عملية ضم واستعمار فلسطين، بالإضافة إلى الجهود الأمريكية الرامية لتقويض قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم بموجب القانون الدولي.
وأخيرًا، لم يتطرق بيان الاتحاد الأوروبي إلى الحاجة الملحة للمحاسبة والعدالة الدولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة وواسعة النطاق التي ترتكبها إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، ضد الفلسطينيين بما في ذلك تلك الانتهاكات التي تصل لمصاف الجرائم الدولية، الأمر الذي يعزز ويكرس سياسة الإفلات من العقاب، التي لطالما تمتعت بها إسرائيل، ويضاعف من مشاعر الإحباط لدى الفلسطينيين، وتحديدًا بين الشباب الفلسطيني، من عجز وعدم كفاءة النظام الدولي ككل وانتفاء الإرادة لمحاسبة إسرائيل عن جرائمها.
في ضوء ما تقدم، تدعو مؤسسة الحق الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، وبمقتضى مسؤولياتهم القانونية كدول أطراف، للقيام بما يلي:
- سحب بيان الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيديريكا موغيريني الصادر بتاريخ 5 أيار 2019 بشأن تصعيد غزة المستمر، وتقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني وعائلات ضحايا التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
- الإيفاء بالتزاماتهم، كدول أطراف متعاقدة في اتفاقيات جنيف للعام 1949، وتحديدًا بموجب المادة الأولى المشتركة، بضرورة احترام وضمان احترام القانون الإنساني الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة في كافة الظروف.
- التنفيذ الكامل، دون تأخير، للتوصيات التي رفعتها لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة حول الاحتجاجات المدنية التي حدثت في الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 2018، كما تبناها مجلس حقوق الإنسان الدولي، والتي أكدت على وجوب رفع الحصار غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة فوراً، بموجب التزاماتها كدول أطراف.
- دعم عملية تستند للقانون الدولي وحقوق الإنسان تتميز بوضوح الرؤية والإطار الزمني وآليات واضحة التنفيذ لإعمال الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ووضع حد للاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد للأرض الفلسطينية وضمان إعمال حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم وحق الشعب الفلسطيني في السيادة الدائمة وتقرير المصير.
[1] European Union External Action, “Statement by High Representative/Vice-President Federica Mogherini on the continuing Gaza escalation”, dated 5 May 2019, available at: https://eeas.europa.eu/headquarters/headquarters-homepage/61848/statement-high-representativevice-president-federica-mogherini-continuing-gaza-escalation_en.
[2] تقرير الحق الميداني بشأن التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة بتاريخ 5/5/2019 الساعة 11:55 مساء