إعداد: د. عصام عابدين/ مستشار قانوني (مؤسسة الحق).
بعد الاطلاع على مسودة اللائحة التنفيذية المقدمة من مجلس الوزراء لسنة 2020 بشأن تنظيم قطاع المنظمات غير الهادفة للربح والترتيبات القانونية نُبدي الملاحظات التالية في الإطار العام للمسودة ومن ثم في أبرز نصوص المواد الواردة فيها:
أولاً: في الإطار العام
1. تأتي مسودة قرار مجلس الوزراء بشأن لائحة تنظيم قطاع المنظمات غير الهادفة للربح والترتيبات القانونية في ظل هجمة شرسة تقودها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المنظمات الأهلية الفلسطينية بأشكال مختلفة من اقتحامات واعتقالات وإغلاق للمقرات وحصار مالي؛ وقد وصلت ذروتها بقيام سلطات الاحتلال بتصنيف ستة مؤسسات أهلية فلسطينية ك"منظّمات إرهابية" وإصدارها قراراً عسكرياً يجعل تلك المؤسسات وطواقمها عُرضة للإغلاق والملاحقة والاعتقال في انتهاك خطير للقانون الدولي ومحاولات واضحة لإسكات صوتها في رصد وتوثيق وفضح جرائم الاحتلال والعمل على مساءلة مرتكبيها. إنَّ طرح هذه المسودة، والحالة تلك، قد يؤدي لاستغلالها من قبل سلطات الاحتلال من أجل خلط الأوراق والمضي قدماً في سياستها لتقويض جهود المجتمع المدني الفلسطيني في مساءلة الاحتلال وعدم الافلات من العقاب وتحقيق العدالة الدولية.
2. تتطلب الأولوية الوطنية والحقوقية تعزيز العمل المشترك بين الجهات الرسمية والمنظمات الأهلية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في مواجهة الجرائم الممنهجة التي يرتكبها الاحتلال ونظام الفصل العنصري، بعيداً عن أية اعتبارات قائمة على الشك والريبة لا مكان لها في المرحلة الراهنة وتحدياتها، مع التأكيد دوماً على أهمية الرقابة على أداء المؤسسات الأهلية في حدود القانون الأساسي (الدستور) وسيادة القانون والاتفاقيات التي انضمت إليها دولة فلسطين ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن الحق في حرية تكوين الجمعيات بعيداً عن منهج الإقصاء.
3. تشكل لائحة تنظيم قطاع المنظمات غير الهادفة للربح والترتيبات القانونية انتهاكاً واضحاً وصريحاً للاتفاقيات التي انضمت إليها دولة فلسطين؛ ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يؤكد في المادة (22) على حماية الحق في حرية تكون الجمعيات وأنشطتها، ويشدد على أن أيّ قيد يتم فرضه بما ينسجم مع أحكام العهد ينبغي أن يكون منصوصاً عليه في "القانون" وأن يتم احترام مبدأ " الضرورة" ومبدأ "التناسب" في أي تدخل تشريعي يتعلق بالحق في تكوين الجمعيات. وفي المقابل، فإن تنظيم قطاع المنظمات غير الربحية جاء من خلال "لائحة تنفيذية" وليس من خلال "قانون" صادر عن البرلمان، كما أن حالة الضرورة التي تنص عليها المادة (22) من العهد غير متوفرة في ظل وجود قانون للجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 وهو منسجم مع أحكام العهد الدولي. إضافة إلى ذلك فإن معظم النصوص الواردة في تلك اللائحة لا يتوفر فيها شرط التناسب (الإجراء الأقل تقييداً) كونها تنطوي على تقييد هائل للجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية والشركات غير الربحية من خلال استخدام مصطلحات عامة وفضفاضة ولا تستند إلى أية ضوابط أو معايير معترف بها في القانون الدولي.
4. تخالف هذه اللائحة المبادىء العامة في القانون الدولي بشأن الضوابط التي ترد على الحق في تكوين الجمعيات وأبرزها أن الإجراءات التي تُتخذ بحق الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية في سياق غسل الأموال وتمويل الإرهاب يجب أن تتم من "سلطة قضائية مستقلة ومحايدة". يُشدد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الأرهاب في تقريره المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة (وثيقة رقم 276/61/A) على الصفحة (14) بأنه "ينبغي أن تقوم هيئة قضائية مستقلة بتحديد ما إذا كانت المنظمة تنطبق عليها فعلاً صفة إرهابية، وبالتالي يجب حظرها، وينبغي أن تتوفر دائماً إمكانية الطعن في قرار الحظر أمام هيئة قضائية". ويُضيف المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، بذات الصفحة، بأنه "على الدول التي تقرر تجريم الفرد الذي ينتمي إلى "منظمة إرهابية" أن لا تطبق هذه الأحكام إلا بعد تصنيف المنظمة بأنها إرهابية من قبل هيئة قضائية". وبالرجوع للنصوص الواردة في لائحة تنظيم قطاع المنظمات غير الهادفة للربح نجد أن الإجراءات الواسعة التي تطبق على الجمعيات والشركات غير الربحية تتم من قبل السلطة التنفيذية (السلطة المشرفة) والتي تعني دائرة الجمعيات في وزارة الداخلية ومسجل الشركات في وزارة الاقتصاد؛ مما يعني أن تلك الإجراءات الواردة تحت ستار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتعارض مع المعايير الدولية.
5. يشدد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الاساسية في سياق مكافة الإرهاب، مارتن شينين، في تقريره المقدم إلى الجمعية العامة (وثيقة رقم 267/61/A) على الصفة (9) من التقرير على ما يلي "لا تحتاج الدول إلى أن تلجأ لاتخاذ تدابير استثنائية بشأن حقوق حرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات وإن التدابير التي تُقيد تلك الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كافية لمكافحة الإرهاب بفعالية". ويُضيف المقرر الخاص على الصفحة (11) من ذات التقرير بأنه "لا بد للقوانين التي تقيّد حقوق حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي أن تُثبت وجود الظروف التي يمكن بمقتضاها تقييد تلك الحقوق. إنَّ القيود التي، لا تتوافق مع القانون، ولا مع المتطلبات المحددة في المادتين 21 و 22 ، تشكل انتهاكاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". مع الإشارة إلى أن المادة (21) الواردة في الفقرة المذكورة من تقرير المقرر الخاص تتعلق بالحق في التجمع السلمي فيما تتعلق المادة (22) بالحق في تكوين الجمعيات.
6. تخالف هذه اللائحة أحكام القانون الأساسي المعدل (الدستور) وقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 مخالفات واضحة وصارخة. وبعبارة أوضح؛ فإنَّ لائحة تنظيم قطاع المنظمات غير الهادفة للربح تعمل على "تقويض" قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية بالكامل. والحال كذلك بشأن قرار بقانون الشركات 2021 فيما يخص الشركات غير الربحية. حيث تمنح تلك اللائحة "الجهة المشرفة" على تنفيذها وهي دائرة تسجيل الجمعيات في وزارة الداخلية ومسجل الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني صلاحيات "هائلة" على الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية ودون ضوابط أو قيود، وتلك الصلاحيات الهائلة لا أساس لها في قانون الجمعيات وقرار بقانون الشركات؛ مما يعني استبدال النصوص الواردة في تلك "القوانين" بالنصوص الواردة في تلك "اللائحة" وبذلك نكون أمام لائحة غير قانونية. وحيث أن القانون الأساسي (الدستور) ينص في المادة (26) فقرة (2) على أن تشكيل الجمعيات يكون وفقاً للقانون (قانون الجمعيات) فإنَّ مخالفة أحكام قانون الجمعيات من خلال تلك اللائحة تعني مخالفة أحكام الدستور، وبذلك نكون بالنتيجة أمام لائحة غير دستورية وغير قانونية.
ثانياً: في أبرز التفاصيل
7. نصت المادة (26) فقرة (2) من القانون الأساسي المعدل على أن للفلسطينيين الحق في المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق التالية "تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والأندية والمؤسسات الشعبية وفقاً للقانون". ونظم قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 وتعديلاته الأحكام القانونية المتعلقة بالجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وفقاً لأحكام الدستور. إن إجراء تعديلات على قانون الجمعيات من خلال "لائحة" عن مجلس الوزراء باستحداث تعريفات ومنح صلاحيات واسعة لدائرة تسجيل الجمعيات في وزارة الداخلية مخالفٌ لأحكام قانون الجمعيات، ويتجاوز حدود صلاحياتها الواردة في القانون، بما يشكل انتهاكاً للقانون الأساسي (الدستور) وأحكام قانون الجمعيات في آن معاً بإحالة من الدستور، وبذلك نكون أمام لائحة مخالفة لأحكام هذا القانون وغير دستورية في ذات الوقت.
8. تنطوي هذه اللائحة على انتهاكات واضحة وواسعة للأسانيد القانونية التي بُنيت عليها والتي تتمثل في القانون الأساسي وقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 وقانون الأوقاف والشؤون الإسلامية رقم (26) لسنة 1966 من خلال إجراء تعديلات على القوانين المذكورة من خلال لائحة عن مجلس الوزراء، كما أن التعديل على نظام الشركات غير الربحية 2010 ونظام الأوقاف والشؤون الإسلامية 1966 المشار إليها في الأسانيد القانونية يكون من خلال أنظمة معدلة تلتزم بالدستور وأحكام القانون ولا يتم من خلال لائحة تعمل على تفريغ تلك التشريعات من مضمونها وتجاوز حدود الصلاحيات الواردة فيها.
9. إن الحق الدستوري لمجلس الوزراء في إصدار اللوائح الوارد في المادة (70) من القانون الأساسي والمشار إليه في مطلع أسانيد هذه اللائحة ينحصر في حدود تنفيذ القانون، كون اللائحة تشريع فرعي أقل في القوة الإلزامية من القانون، وبالتالي لا يجوز للائحة أن تضيف تعريفات أو تمنح صلاحيات أو تضيف جوانب رقابية أو أن تضع عقوبات خلافاً للقانون وبما يؤدي إلى تقويض قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، لأننا نكون والحالة تلك أمام تعديلات على القانون من خلال لائحة خلافاً للنص الدستوري، مما يعني بالمحصلة النهائية أننا أمام لائحة مخالفة للدستور ومبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات.
10. تستند لائحة تنظيم قطاع المنظمات غير الهادفة إلى "تعريف السلطة المشرفة" الوارد في قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (20) لسنة 2015 وتعديلاته في عملية منح "الصلاحيات الهائلة" لدائرة تسجيل الجمعيات في وزارة الداخلية ومسجل الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني على قطاع المنظمات غير الربحية. بالرجوع إلى القرار بقانون المذكور، وتحديداً المادة (1) الخاصة بالتعريفات؛ فقد عرّف قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب السلطة المشرفة بأنها "السلطة التي تعهد إليها القوانين بالرقابة والإشراف على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية". وبالتالي، فإن قيام اللائحة بمنح صلاحيات واسعة لدائرة تسجيل الجمعيات ومسجل الشركات في وزارة الاقتصاد على قطاع المنظمات غير الهادفة للربح تحت عنوان "الجهة المشرفة"وبما يتجاوز اختصاصاتها الواردة في قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وقرار بقانون الشركات يشكل مخالفات واضحة وصريحة لقرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك لأن تعريف السلطة أو الجهة المشرفة واضح في قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بأنها السلطة التي "تعهد إليها القوانين" بالرقابة والإشراف وهي في حالة الجمعيات "وزارة الاختصاص" باعتبارها الجهة التي يندرج النشاط الأساسي للجمعية ضمن اختصاصها وفقاً للمادة (1) من قانون الجمعيات وهي المسؤولة عن التقارير المالية والإدارية للجمعيات وفقاً للمادة (13) من القانون. ولا يجوز لا لوزارة الداخلية، ولا لوزارة الاختصاص، تجاوز حدود صلاحياتها الواردة في قانون الجمعيات. وبالتالي، فإن قانون الجمعيات لم يعهد لوزارة الداخلية بالصلاحيات الهائلة الواردة في تلك اللائحة المخالفة لقرار بقانون مكافحة غسل الأموال.
11. تنطوي مادة التعريفات الواردة في اللائحة على العديد من المخالفات لأحكام قانون الجمعيات الخيرية وغيره من القوانين، ولا تستند إلى أساس في القانون، حيث أوردت تعريفاً "للمنظمات غير الهادفة للربح" يدمج بين الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية، وهذا التعريف لا أساس له في القانون، ولا يمكن للائحة ان تستحدث تعريفاً لا وجود له في القانون وتطبق عليه أحكام اللائحة. كما أن تعريف الدائرة المختصة بأنها الجهة المختصة في وزارة الداخلية لتسجيل الجمعيات لغايات منحها اختصاصات تتعلق بقرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ينطوي على مخالفة واضحة وتجاوز لحدود صلاحيات الجهة المختصة فيما يتعلق بإجراءات تسجيل الجمعيات المبينة في المادة (4) من القانون الواردة بشأن اجراءات التسجيل. والحال كذلك بشأن تعريف "الجهات المشرفة" والتي تعني دائرة تسجيل الجمعيات ومراقب الشركات في وزارة الاقتصاد لغايات منحهم صلاحيات واسعة وغير قانونية في كل ما يتعلق بشؤون الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية؛ دون أي أساس وارد في قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وقرار بقانون الشركات؛ ودون أية أسس أو معايير أو ضوابط أو إشراف من جهة قضائية مستقلة، بما يشكل انتهاكاً لأحكام القانون الأساسي المعدل وقانون الجمعيات الخيرية والمعايير الدولية ذات الصلة.
12. نصت المادة (3) من اللائحة على أنه "لغايات التنظيم والرقابة والإشراف على إجراءات مكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تعتبر الدائرة المختصة هي الجهة المشرفة على الجمعيات الخيرية والهيئات الاهلية، كما يعتبر مراقب الشركات الجهة المشرفة على الشركات غير الربحية". اعتبر هذا النص دائرة تسجيل الجمعيات ومسجل الشركات هما "الجهة المشرفة" على قطاع المنظمات غير الربحية لغايات منحهما صلاحيات واسعة على المنظمات غير الربحية عبر المادة (1) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (20) لسنة 2015 وتعديلاته والتي عرّفت "السلطة المشرفة" في المادة الأولى من القرار بقانون. وقد سبق القول بأن تعريف السلطة المختصة في القرار بقانون يتطلب أن يكون "القانون" قد عهد إليها سلطات رقابية وإشرافية كما هو واضح في المادة (1) من قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. والقوانين المتعلقة بالجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية لم تمنح دائرة تسجيل الجمعيات ومسجل الشركات غير الربحية تلك الصلاحيات الواسعة الواردة في هذه اللائحة، مما يعني أن مصدر تلك الصلاحيات ليس قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإنما هذه اللائحة، وبذلك فإن تلك اللائحة مخالفة للقانون الأساسي وقانون الجمعيات وقرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتحديداً العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمعايير الدولية.
13. منحت المادة (4) من اللائحة الجهات المشرفة (دائرة تسجيل الجمعيات ومراقب الشركات) صلاحيات واسعة على الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية تحت عنوان "تقييم المخاطر" تستهدف كافة أنشطتها بما يشمل التحقق من كافة المصادر بذريعة تحديد التهديدات التي تشكلها الكيانات الإرهابية وإمكانية تعرض المنظمات غير الهادفة للربح للخطر أو إساءة استغلالها في دعم وتمويل الإرهاب واتخاذ التدابير المناسبة للتصدي لهذه المخاطر ومراجعتها بشكل دوري، وإعادة تقييم قطاع المنظمات غير الهادفة للربح بشكل دوري. إنَّ تلك الصلاحيات من شأنها أن تؤدي إلى تدخلات واسعة من قبل "الجهات المشرفة" في كافة شؤون الجمعيات الخيرية خلافاً لحدود اختصاصها المبينة في قانون الجمعيات وخلافاً للضمانات الواردة في القانون من قبيل المادة (41) التي لا تُجيز اتخاذ أية إجراءات بحق الجمعيات من وضع اليد على أموال أو تفتيش مقار وغيرها إلا بقرار من جهة قضائية مختصة. وكذلك المادة (46) فقرة (3) من اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات والتي تنص على أنه " لا يحق لأية جهة رسمية التدخل في عملية تسيير اجتماعات الجمعيات او انتخاباتها أو نشاطاتها أو التأثير عليها". وبالتالي، فإن الصلاحيات الواسعة التي مُنحت لدائرة تسجيل الجمعيات والحالة تلك من شأنها أن تؤدي إلى تقويض قانون الجمعيات. والحال كذلك بشأن الشركات غير الربحية بموجب قرار بقانون الشركات 2021 ونظام الشركات غير الربحية 2010. كما أن الفقرة (ج) من النص تمنح السلطة التنفيذية (دائرة تسجيل الجمعيات ومراقب الشركات) صلاحيات تشريعية بــ "مراجعة مدى ملائمة وكفاية الإجراءات بما فيها التشريعات المتعلقة بالمنظمات غير الهادفة للربح لمنع إساءة استخدامها في دعم وتمويل الإرهاب وتمويل المنظمات الإرهابية، والعمل على تحسينها متى ما كان ذلك لازماً" بما يشكل اعتداءً على مبدأ الفصل بين السلطات ومزيد من التحكم والسيطرة على الجمعيات والشركات غير الربحية ويوحي بتعديلات أخرى ستطال تلك التشريعات.
يُشدد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، مارتن شينين، في تقريره المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة (وثيقة رقم 267/61/A) على الصفحة (8) بأنه "ينبغي ألا تُسيء الدول الحاجة إلى مكافحة الإرهاب باللجوء إلى تدابير تكون مُقيّدة لحقوق الإنسان من دون داع. وينبغي وضع ضمانات واضحة بموجب القانون لكي تمنع إساءة استعمال (القيود)، وإذا حدثت حالات إساءة استعمال؛ فلكي تضمن توفر سُبل للانتصاف منها".
كما أن الصلاحيات الهائلة التي منحتها اللائحة "للجهة المشرفة" على قطاع المنظمات غير الهادفة للربح بموجب النص تخلو من رقابة وإشراف "سلطة قضائية مستقلة" خلافاً للمبادىء العامة في المعايير الدولية بشأن الحق في تكوين الجمعيات. وقد سبق وأوضحنا موقف المقرر الخاص بأنه "ينبغي أن تقوم هيئة قضائية مستقلة بتحديد ما إذا كانت المنظمة تنطبق عليها فعلاً صفة إرهابية، وبالتالي يجب حظرها، وينبغي أن تتوفر دائماً إمكانية الطعن في قرار الحظر". وعلاوة على المقرر الخاص، فقد أكد الخبير المستقل المعني بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، روبرت غولدمان، (وثيقة رقم 103/2005/4.CN/E) في الفقرة (15) على ما يلي "إن المحاكم المدنية يجب أن تتمتع بولاية مراجعة أحكام جميع تدابير مكافحة الإرهاب والإشراف على تطبيقها دون أي ضغط أو تدخل، لا سيما من أَفرع الحُكم الأخرى. وهذا المبدأ أساسي في سياق مكافحة الإرهاب، حيث يمكن للحكومات أن تختبىء خلف شعارات معلومات سرية لا يمكن التحقق منها أو الاعتراض عليها".
يُشدد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب في تقريره المقدم إلى الجمعية العامة (وثيقة رقم 267/61/A) على أنه "ينبغي أن يُشرف القضاء على أي قرارات تحد من حقوق الإنسان، بحيث تظل مشروعة ومتناسبة وفعّالة، لكي تضمن بأن الحكومة، في النهاية، سَتُحَمّل المسؤولية وستكون خاضعة للمساءلة".
14. تمنح المادة (5) من اللائحة صلاحيات رقابية واسعة للجهة المشرفة (دائرة تسجيل الجمعيات، مراقب الشركات) على الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية تحت عنوان "مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتأكد منه" واتخاذ ما يلزم من وسائل الرقابة المكتبية والميدانية للتحقق من هذا الالتزام وعلى نحو دوري ومكثف على أساس فهم المخاطر، وتنص على قيام الجهة المشرفة بموافاة وحدة المتابعة المالية في سلطة النقد بتقرير دوري على الأقل مرة واحدة كل سنة عن نشاطاتها في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتدقيق البيانات المالية السنوية التي تُصدرها المنظمة غير الهادفة للربح لغايات ضمان أن جميع الأموال يتم الاستفادة منها بالكامل ويتم انفاقها على نحو يتوافق مع غرض الأنشطة المعلنة للمنظمة غير الهادفة للربح. إن هذا الصلاحيات الواسعة "للجهات المشرفة" لا أساس لها في قانون الجمعيات وقرار بقانون الشركات ونظام الشركات غير الربحية ومخالفة لأحكام التشريعات المذكورة، ولا تستند إلى أية أسس أو معايير أو ضمانات قانونية، ولا تتم من خلال سلطة قضائية مستقلة. كما أن "الجهة المشرفة" ينبغي أن تكون مخولة قانوناً بالرقابة والإشراف بموجب قوانينها كي تملك صلاحية التعاون مع الوحدة (وحدة المتابعة المالية في سلطة النقد) بموجب قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وبالتالي فإن ما ورد في النص من قيام الجهات المشرفة بموافاة وحدة المتابعة المالية بتقرير دوري مرة على الأقل كل سنة عن نشاطها مخالف لأحكام قانون الجمعيات الخيرية وقرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأمّا ما ورد بشأن قيام الجهة المشرفة باتخاذ ما يلزم من وسائل "الرقابة المكتبية والميدانية" و"تحديد دورية وكثافة الرقابة" في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب فإنها تدخل في إطار مهام "الضبط القضائي" ولا يجوز منح صفة الضبط القضائي إلا ب"قانون".
15. تُلزم المادة (6) من اللائحة المنظمات غير الهادفة للربح (الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية) بأن تقوم بـ" الحصول على هوية وأوراق الاعتماد والسمعة الحسنة لكل من المستفيدين من المنظمة غير الهادفة للربح والمنظمات غير الهادفة للربح المرتبطة بها" بذريعة عدم استغلال الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية في أنشطة دعم وتمويل الإرهاب. إنَّ هذا النص من شأنه أن يؤدي إلى تقويض أنشطة وبرامج الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية والخدمات الحقوقية التي تقدمها للمواطنين، وأن يُحيل العمل الحقوقي إلى إجراءات ذات طابع أمني، وهو مُخالف للمعايير الدولية ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يؤكد على الحق في حرية تكوين الجمعيات (مادة 22) ومخالف للقانون الأساسي (مادة 26) وينتهك الحقوق الدستورية للمواطنين من خلال التعامل مع المستفيدين من أنشطة المنظمات الأهلية والشركات غير الربحية على أنهم "متهمون" إلى أن يثبت العكس بما يشكل مساساً خطيراً بالحرية الشخصية وقرينة البراءة المفترضة في كل إنسان ويمس بحقه في الحصول على المساعدة القانونية. كما أن شرط السلامة الأمنية (الفحص الأمني) الذي يطلب هذا النص من الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية تطبيقه على المستفيدين من خدماتها ينتهك أحكام القانون الأساسي (الدستور) وبخاصة المادة التاسعة التي تنص على عدم التمييز على أساس الرأي السياسي. علاوة على ذلك، فإن هذاالنص يُخالف قرار مجلس الوزراء بإلغاء شرط السلامة الأمنية (الفحص الأمني) الذي اتخذه بجلسته رقم (133) المنعقدة بتاريخ 24/4/2012. مع التذكير بوجود جهات رقابية عديدة على أعمال الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية تتمثل في الرقابة الداخلية ورقابة وزارة الداخلية بشأن التسجيل ووزارة الاختصاص بشأن التقارير المالية والإدارية للجمعيات علاوة على رقابة ديوان الرقابة المالية والإدارية والتي تشمل رقابة الإمتثال كما أن أنشطتها تخضع لرقابة هيئة مكافحة الفساد؛ ما يعني وجود جهات رقابية متعددة على أعمالها ويعني أن الصلاحيات الإضافية الواردة بهذه اللائحة غير الدستورية، غير مبررة، وتستوجب رفضها وعدم إقرارها.
16. تُجيز المادة (7) من اللائحة للجهات المشرفة (دائرة تسجيل الجمعيات ومراقب الشركات) إلزام المنظمات غير الهادفة للربح بتطبيق الإجراءات الواردة في المادة (6) أعلاه بشكل كلي أو جزئي (السلامة الأمنية/الفحص الأمني) بما يتناسب مع طبيعة ودرجة المخاطر المرتبطة بها، واتخاذ أية إجراءات إضافية تراها مناسبة للحد من استغلال المنظمات غير الهادفة للربح في تمويل الإرهاب أو غسل الأموال. سبق القول إنَّ شرط السلامة الأمنية (الفحص الأمني) مخالفٌ لأحكام القانون الأساسي المعدل (الدستور) وقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وقرار بقانون الشركات ومخالفٌ لقرار مجلس الوزراء بإلغاء شرط السلامة الأمنية الذي اتخذه في جلسته رقم (133) بتاريخ 24/4/2012. كما أن هذا النص الذي يُجيز للجهة المشرفة إلزام المنظمات الأهلية والشركات غير الربحية بتطبيق شرط السلامة الأمنية (الفحص الأمني) على المستفيدين من خدماتها واتخاذ أية إجراءات إضافية تراها مناسبة ينتهك الحق في حرية تكوين الجمعيات وحرية أنشطتها المكفولة في المادة (22) من العهد الدولية الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لانتفاء شرطي "الضرورة والتناسب" في ظل المصطلحات الفضفاضة (اتخاذ أية إجراءات إضافية تراها مناسبة) المستخدمة في هذا النص وغياب ضمانات واضحة تكفل احترام أحكام العهد الدولي المذكور.
يُشدد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب،مارتن شينين، في تقريره المقدم إلى الجمعية العامة (وثيقة رقم 267/61/A) على الصفحة (8) على ما يلي "ينبغي ألا تُسيء الدول استغلال الحاجة إلى مكافحة الإرهاب باللجوء إلى تدابير تكون مُقيدة لحقوق الإنسان من دون داع. وينبغي وضع ضمانات واضحة بموجب القانون لكي تمنع إساءة استعمال (القيود)، وإذا حدثت حالات إساءة استعمال، فلكي تضمن توفر سُبل الانصاف فيها".
17. تنص المواد (8) و (9) من اللائحة على وجوب قيام كافة المنظمات غير الهادفة للربح بالتسجيل في السجل المعتمد لدى الجهة المشرفة وعلى أن يسري هذا الإجراء (وجوب التسجيل) على كافة فروع المنظمات غير الهادفة للربح الأجنبية التي ترغب بممارسة أعمالها في دولة فلسطين والمعلومات التي ينبغي تسجيلها. هذا النص، يشكل تهديداً جدياً "للمراكز القانونية الثابتة والمستقرة" لكافة الجمعيات الخيرية وفروع الجمعيات الأجنبية والشركات غير الربحية بعد استكمال شخصيتها القانونية بالتسجيل لدى دائرة الجمعيات في وزارة الداخلية بالنسبة للجمعيات الخيرية وفروع الجمعيات الأجنبية ولدى مسجل الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني بالنسبة للشركات غير الربحية. وبالتالي، فإن الطلب من الجمعيات الخيرية وفروع الجمعيات الأجنبية والشركات غير الربحية التسجيل لدى الجهات المشرفة (دائرة تسجيل الجمعيات في وزارة الداخلية ومسجل الشركات في وزارة الاقتصاد) مخالفٌ للقانون الأساسي المعدل (الدستور) وقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وقرار بقانون الشركات.
18. تنص المادة (10) من اللائحة على المعلومات التي يجب على الشركات غير الربحية تقديمها والتصريح بها للجهة المشرفة بشأن المستفيد الحقيقي منها وتحديده. هذا النص، والمعلومات الواردة فيه، يضع الشركات الربحية (المستفيد الحقيقي) في موضع اتهام إلى أن يثبت العكس. وبذلك فهو مخالفٌ للقانون الأساسي المعدل (الدستور ) الذي أكد في المادة (14) على قرينة البراءة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ..". مع الإشارة إلى أن الشركات غير الربخية تسعى إلى تحقيق ذات الغايات التي تسعى لها الجمعيات الخيرية ولا تهدف إلى تحقيق الربح وفقاً لنظام الشركات غير الربحية. كما أن الشركات غير الربحية تخضع أيضاً لرقابة مسجل الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني وديوان الرقابة المالية والإدارية وهيئة مكافحة الفساد علاوة على الرقابة الداخلية ورقابة المانحين كما هو الحال في الجمعيات، هذا إلى جانب الموافقة المسبقة من مجلس الوزراء المرتبطة بالموافقات الأمنية على تمويل الشركات غير الربحية بموجب تشريعاتها الفرعية أي النظام المعدل للشركات غير الربحية 2015 والتعليمات الصادرة والتي تخالف أحكام القانون الأساسي والمعايير الدولية.
19. تنص المادة (11) فقرة (2) من اللائحة على أنه يجب على المنظمة غير الهادفة للربح الاحتفاظ بالمعلومات المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة في مقرها الرئيسي بشكل دقيق وكاف وتحديثها أولاً بأول، وفي حالة المنظمات غير الهادفة للربح الأجنبية يجب الاحتفاظ بها في أحد فروعها داخل فلسطين مع ضرورة إخطار الجهات المشرفة بمكان الاحتفاظ. وهي تشمل كافة المعلومات المتعلقة بأهداف وأنشطة المنظمة غير الهادفة للربح وكافة السجلات التي تحتوي على المعاملات المحلية والدولية المفصلة وغيرها من المعلومات والبيانات المتعلقة بالأعضاء في الجمعيات الخيرية والمساهمين في الشركات غير الربحية ولمدة (10) سنوات على الأقل من تاريخ حل المنظمة غير الهادفة للربح أو تصفيتها. هنالك العديد من البيانات الواردة في هذا النص تتجاوز حدود قانون الجمعيات الخيرية ونظام الشركات غير الربحية، وهي ليست من اختصاص دائرة تسجيل الجمعيات في وزارة الداخلية، كما أن التقارير الإدارية والمالية للجمعيات تدخل ضمن مهام "وزارة الاختصاص" بموجب قانون الجمعيات الخيرية؛ وبذلك فإن هذا النص مخالفٌ لأحكام القانون المذكور وقرار بقانون الشركات ونظام الشركات غير الربحية. كما أن النص على "إخطار" الجهة المشرفة بمكان احتفاظ المنظمات الأجنبية غير الهادفة للربح بالسجلات والبيانات مخالفٌ لقانون الجمعيات، وتدخل غير مبرر بشؤونها الداخلية، كون التزامها يتمثل بتقديم التقارير المالية والإدارية لوزارة الاختصاص.
20. تنص المادة (12) من اللائحة على وجوب قيام المنظمات غير الهادفة للربح بوضع الضوابط اللازمة والمناسبة لضمان أن جميع الأموال يتم الاستفادة منها بالكامل ويتم انفاقها على نحو يتوافق مع غرض الأنشطة المعلنة للمنظمة غير الهادفة للربح وأهدافها وإصدار تقرير مالي سنوي يشمل البيانات المالية المفصلة حول الايرادات والمصروفات ورفعه الى الجهات المشرفة للتدقيق. لا تشير اللائحة إلى أية ضوابط بهذا الخصوص، علاوة على تدخلها غير القانوني وغير المبرر في إجراءات عمل الجمعيات والشركات غير الربحية، كما أنَّ تقديم التقرير المالي للجهات المشرفة (دائرة تسجيل الجمعيات) يتعارض مع قانون الجمعيات الخيرية الذي ينص على تقديم تلك التقارير إلى وزارة الاختصاص وتحظر اللائحة التنفيذية التدخل بأعمال وأنشطة الجمعيات. والحال كذلك بشأن الشركات غير الربحية التي ترفع تقاريرها المالية لمراقب الشركات ودون أي تدخل في أنشطتها.
21. تنص المادة (13) على أنه يجب على المنظمة غير الهادفة للربح التعاون والتنسيق مع الجهات المشرفة الى أقصى حد ممكن في تحديد المستفيدين الحقيقيين وذلك بتوفير كافة المعلومات الأساسية والمعلومات المتعلقة بالمستفيدين الحقيقيين المنصوص عليها بالمواد (9، 10) المتعلقة بمعلومات المنظمة غير الهادفة للربح ومعلومات المستفيد الحقيقي بالإضافة الى المعلومات المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة (11) المتعلقة بحفظ السجلات. ينبغي أن يقوم التعاون بين قطاع المنظمات غير الهادفة للربح والجهات الرسمية على أساس "احترام القانون" والصالح العام وليس على قاعدة انتهاك الدستور والقانون والمعايير الدولية. وهذا ما أوضحته المادة (10) من قانون الجمعيات "تقوم علاقة الجمعيات والهيئات بالوزارات المختصة على أساس من التنسيق والتعاون والتكامل لما فيه الصالح العام". هذا النص، الذي يستخدم عبارة "التعاون إلى أقصى حد ممكن" من شأنه أن يجعل الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية رهينة الاستجابة المطلقة لرغبات الجهات الرسمية (دائرة تسجيل الجمعيات في وزارة الداخلية ومسجل الشركات في وزارة الاقتصاد) على حساب الدستور والقانون والمعايير الدولية التي تنظم العلاقة بينها، بما يؤدي إلى تقويض قانون الجمعيات ونظام الشركات غير الربحية والاستجابة فقط لطلبات الجهات الرسمية.
وفي ذلك، يقول المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، مارتن شينين، في تقريره المقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة (وثيقة رقم 267/61/A) على الصفحة (9) بأنه "لا يجوز استخدام القيود إلا عندما توجد ظروف معينة تستدعي تقييد الحقوق التي يحميها العهد، ويجب أن يظل الحق هو القاعدة، وأي تقييد هو الاستثناء". ويرى المقرر الخاص على الصفحة (11) بأنه "لا ينبغي سن تشريعات محددة لمكافحة الإرهاب إلا بعد النظر بطريقة جادة فيما إذا كانت ضرورية أم لا، ويُذكِّر المقرر الخاص بأن "سيادة القانون تنص على أنه لا بد للقوانين التي تقيّد حقوق حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي أن تُثبت وجود الظروف التي يمكن بمقتضاها تقييد تلك الحقوق". ويُشدد المقرر الخاص "على وجوب أن لا تستخدم الحكومات تلك الأهداف كسحابة دخان لإخفاء الأغراض الحقيقية من التقييد".
22. تنص المادة (16) الواردة تحت عنوان التحريات على ما يلي " تتولى الجهات المشرفة القيام بالآتي: 1. توفير الخبرات في مجال التحري والمعاينة والقدرة على فحص المنظمات غير الهادفة للربح التي يشتبه استغلالها في دعم وتمويل الإرهاب. 2. اطلاع النيابة العامة وفي الوقت المناسب على كامل المعلومات الخاصة بإدارة أي منظمة غير هادفة للربح بما في ذلك المعلومات المالية والمعلومات المتعلقة ببرامجها، وذلك في سياق إجراءات التحقيق أو التحري". هذا النص الوارد في اللائحة يمنح الجهات المشرفة صلاحيات "ضبط قضائي" على المنظمات غير الهادفة للربح وهذه الصلاحيات لا يتم منحها إلا بـ"قانون" ولا تتم من خلال لائحة. كما أنه مخالفٌ لأحكام قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وتحديداً نص المادة (41) التي تؤكد بأن إجراءات كالتحري والمعاينة والفحص للجمعيات الخيرية لا تتم إلاّ من خلال قرار من جهة قضائية مختصة وليس من خلال "الجهات المشرفة".
23. تنص المادة (17) بأنه على الجهات المشرفة تقديم التعاون والتنسيق المحليين الى أقصى حد ممكن في مجال التنسيق وتبادل المعلومات مع السلطات المختصة والوحدة (وحدة المتابعة المالية في سلطة النقد) والسلطات المشرفة على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة وضمان تسهيل وصول تلك الجهات الى المعلومات ذات العلاقة بالمنظمات غير الهادفة للربح والمتوفرة لدى الجهات المشرفة. هذا النص مخالفٌ لأحكام قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وقرار بقانون الشركات ونظام الشركات غير الربحية وقرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في أوجه عديدة تتمثل في أن هذا النوع من التعاون لا يدخل ضمن صلاحيات دائرة تسجيل الجمعيات في وزارة الداخلية بموجب قانون الجمعيات ولا يدخل ضمن صلاحيات مسجل الشركات بموجب قرار بقانون الشركات ونظام الشركات غير الربحية، كما أن السلطة أو الجهة المشرفة بموجب المادة (1) من قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب هي "السلطة التي تعهد إليها القوانين بالرقابة والإشراف على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية" أي ينبغي أن تكون تلك الصلاحيات واردة في تلك القوانين، وحيث أن تلك الصلاحيات غير واردة في قانون الجمعيات وقرار بقانون ونظام الشركات فإنه لا يجوز التعاون على مخالفة القانون.
24. تنص المادة (18) من اللائحة على أن تتخذ الجهة المشرفة الآليات اللازمة لضمان التبادل الفوري للمعلومات ذات العلاقة بالمنظمات غير الهادفة للربح والمتوفرة على الجهة المشرفة وذلك مع السلطات المختصة والوحدة والسلطات المشرفة على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة، بهدف اتخاذ إجراءات وقائية أو إجراء تحقيقات عند الاشتباه أو وجود أسباب معقولة للاشتباه في أن منظمة غير هادفة للربح تمثل واجهة لجمع تبرعات من قبل منظمة إرهابية أو يتم استغلالها كقناة لتمويل الإرهاب أو تقوم بإخفاء أو حجب التحويلات السرية لمسار الأموال المخصصة لأغراض مشروعة والتي يُعاد توجيهها لصالح إرهابيين أو منظمة إرهابية. سبق القول إنَّ تبادل المعلومات بين الجهة المشرفة (دائرة تسجيل الجمعيات في وزارة الداخلية ومسجل الشركات في وزارة الاختصاص) وبين السلطة المختصة (الجهاز الحكومي المنوط به مكافحة عمليات غسل الأموال وفق المادة 1 من قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب) والوحدة (وحدة المتابعة المالية في سلطة النقد وفق المادة 1 من قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب) مخالفٌ لأحكام القانون وأن التعاون لا يقوم على قاعدة مخالفة القانون. كما أن هذا النص يمنح الجهة المشرفة صلاحية اتخاذ "إجراءات تحقيقية" عند الاشتباه أو وجود أسباب معقولة للاشتباه في أن منظمة غير هادفة للربح تمثل واجهة لجمع تبرعات من قبل منظمة إرهابية أو يتم استغلالها كقناة لتمويل الإرهاب .. بما يشكل اعتداءً صارخاً على الصلاحيات الدستورية والقانونية "للنيابة العامة" باعتبارها المفوضة من المجتمع بمباشرة التحقيقات وبذلك فإن هذا النص مخالفٌ للقانون الأساسي (مادة 107) وقانون الإجراءات الجزائية.
كما أن هذا النص مخالفٌ لأحكام المادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن الحق في حرية تكوين الجمعيات لانتفاء شرطي الضرورة والتناسب وغياب دور السلطة القضائية. يُشدد المقرر الخاص المعني يتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب في تقريره المقدم للجمعية العامة (وثيقة رقم 267/61/A) في الصفحة (14) من التقرير على أنه "ينبغي أن تقوم هيئة قضائية مستقلة بتحديد ما إذا كانت المنظمة تنطبق عليها فعلاً صفة إرهابية، وبالتالي يجب حظرها، وينبغي أن تتوفر دائماً إمكانية الطعن في قرار الحظر أمام هيئة قضائية. وعلى الدول التي تقرر تجريم الفرد الذي ينتمي إلى "منظمة إرهابية" أن لا تطبق هذه الأحكام إلا بعد تصنيف المنظمة بأنها إرهابية من قبل هيئة قضائية".
25. تنص المادة (20) من اللائحة على أن "1. تتولى الجهات المشرفة فحص أسماء المؤسسين والأعضاء والمستفيدين الحقيقيين من المنظمات غير الهادفة للربح على قوائم الإرهاب الصادرة عن لجنة تنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي وذلك قبل الموافقة على تسجيل المنظمة غير الهادفة للربح. 2. تلتزم الجهات المشرفة على قطاع المنظمات غير الهادفة للربح بالتنفيذ الفوري للقرارات الصادرة عن لجنة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي على قطاع المنظمات غير الهادفة للربح". هذا النص، يؤكد على أن الجمعيات الخيرية والشركات غير الربحية تفقد "شخصيتها القانونية" وحقوقها المكتسبة بمجرد نفاذ هذه اللائحة. ينبغي قراءة هذا النص مع المادة (8) من اللائحة الواردة تحت عنوان "الالتزام بالتسجيل" حيث تشير المادة (20) على أن تتولى الجهة المشرفة عملية الفحص "قبل الموافقة على تسجيل المنظمة غير الهادفة للربح" فيما تشير المادة (8) من اللائحة بأنه يجب على كافة المنظمات غير الهادفة للربح "التسجيل في السجل المعتمد" لدى الجهة المشرفة، بما يعني أن المنظمات غير الهادفة للربح ستفقد شخصيتها القانونية التي استمدتها من قانون الجمعيات ونظام الشركات غير الربحية بمجرد نفاذ هذه اللائحة وأن عليها التسجيل مجدداً لاكتساب الشخصية القانونية، وهذا يُخالف أحكام القانون الأساسي (الدستور) وقانون الجمعيات الخيرية ونظام الشركات غير الربحية ويتعارض مع المعايير الدولية بشأن الحق في حرية تكوين الجمعيات وحرية أنشطتها.
كما أن ما ورد في البند (2) من النص من التزام الجهات المشرفة بالتنفيذ الفوري للقرارات الصادرة عن لجنة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي - نشأت هذه اللجنة بموجب المادة 47 من قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وهي المخولة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع وقد نظم المرسوم الرئاسي رقم 14 لسنة 2015 بشأن تنفيذ قرارات مجلس الأمن صلاحيات اللجنة المذكورة في تنفيذ قرارات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع- على قطاع المنظمات غير الهادفة للربح مخالفٌ لقانون الجمعيات ونظام الشركات غير الربحية؛ فلا تمنح تلك التشريعات دائرة تسجيل الجمعيات في وزارة الداخلية ومسجل الشركات في وزارة الاقتصاد أية صلاحيات أو القيام بأية إجراءات مع اللجنة اتجاه قطاع المنظمات غير الربحية. كما أن لجنة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي المنصوص عليها في المادة (47) من قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتولى، بموجب النص المذكور، تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بموجب "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة ذات العلاقة بمكافحة تمويل الإرهاب وحظر تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل. وهنا، نجد أن النص المذكور الوارد في اللائحة لا يُشير إلى "الفصل السابع" من الميثاق بما يُخالف أحكام قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
26. تنص المادة (22) على قيام الجهات المشرفة والسلطات المختصة والوحدة (وحدة المتابعة المالية في سلطة النقد) بتخصيص الموارد البشرية والمالية لغايات الرقابة والإشراف والتحري على قطاع المنظمات غير الهادفة للربح كل وفق اختصاصه. يهدف هذا النص إلى مأسسة الخروج على قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وقرار بقانون الشركات ونظام الشركات غير الربحية الذي لا يمنح الجهات الرقابية على الجمعيات والشركات غير الربحية أية اختصاصات قانونية على هذا الصعيد. كما ويمنح الجهات المشرفة صلاحيات "ضبط قضائي" التي لا يجوز منحها إلا بـ"قانون" للقيام بأعمال "التحري" على الجمعيات والشركات غير الربحية. ينبغي أن يبقى هذا الاختصاص في إطار صلاحيات وحدة المتابعة المالية التي يملك مديرها وموظفوها صفة الضبط القضائي بموجب المادة (23) فقرة (4) من قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفي حدود القرار بقانون المذكور، وبما لا يتعارض مع قانون الجمعيات والقوانين الأخرى، واحترام حرية تكوين الجمعيات المكفولة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وأحكام القانون الأساسي المعدل (الدستور) والتشريعات الفلسطينية ذات الصلة.
27. تنص المادة (23) من اللائحة الواردة بشأن التعاون الدولي فيما يتعلق بالمنظمات غير الهادفة للربح على أن تتولى الجهات المشرفة والسلطات المختصة تقديم التعاون الدولي بشكل سريع فيما يتعلق بالمعلومات الأساسية والمعلومات المتعلقة بالمستفيدين الحقيقيين من المنظمات غير الهادفة للربح، بناءً على الاتفاقيات أو مذكرات التفاهم الثنائية أو متعددة الأطراف أو مبدأ المعاملة بالمثل وبما لا يتعارض مع القوانين والأنظمة المعمول بها في دولة فلسطين، وذلك من خلال وزارة العدل ووزارة الخارجية، ويشمل ذلك: تسهيل وصول السلطات المختصة الأجنبية الى المعلومات الأساسية الموجودة في السجلات المعتمدة لدى الجهات المشرفة أو المتوفرة للسلطات المختصة، وتبادل المعلومات عن الأعضاء في المنظمات غير الهادفة للربح، والمساهمين بالنسبة للشركات غير الربحية، واستخدام السلطات المختصة لصلاحياتها في التحري أو التحقيق للحصول على معلومات المستفيدين الحقيقيين نيابة عن الجهة الأجنبية النظيرة .. . ورد النص المذكور على نحو عام وفضفاض وهو لا يشير إلى أن التعاون الدولي يقوم على أساس تنفيذ قرارات مجلس الأمن وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولا يتعداها. وقد سبق القول بأن "الجهة المشرفة" على الجمعيات والشركات غير الربحية ليست جهة اختصاص بموجب تشريعاتها. كما أن هذا النص لا يشير إلى أية ضمانات وبخاصة الحصول على "قرارات قضائية" خلافاً لأحكام قانون الجمعيات والمعايير الدولية المتمثلة في التقارير الصادرة عن المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب سالفة الذكر والتي شدد فيها المقرر الخاص على وجوب أن تتمتع جميع تدابير مكافحة الإرهاب بالمراجعة القضائية. كما ولا ينص على أية إجراءات رقابية لضمان عدم التعسف في استخدام تلك الإجراءات في الممارسة العملية. ولا ينص على سبل للتظلم في مواجهة أي تعسف في استخدام تلك الإجراءات من قبل الجهات الرسمية. ولا ينص على الحق في الانتصاف الفعّال. بما يُخالف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (40/34) المؤرخ في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1985 والذي نص على أنه "لا بد من توفير التعويض أو الرد وفقاً لإعلان مبادىء العدل الأساسية المتعلقة بضحايا الإجرام والتعسف في استعمال السلطة" كما أن ما ورد في النص مخالفٌ للمعايير الدولية المتمثلة بما شدد عليه المقرر الخاص في تقريره المقدم إلى الجمعية العامة (وثيقة رقم 267/61/A) على الصفحة (23) بأنْ "توفر الدول تعويضاً لضحايا الجرائم وإساءة استعمال السلطة".
28. تناولت المادة (24) العقوبات المفروضة على المنظمات غير الهادفة للربح ونصت على صلاحية الجهات المشرفة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لفرض عقوبة أو أكثر من العقوبات المنصوص عليها في هذه المادة بحسب تقديرها لجسامة الإخلال وتشمل: التنبيه بالامتثال لتعليمات محددة، الإنذارات الخطية، فرض غرامة تتراوح بين (5000) خمسة الاف دينار أردني حتى (50000) خمسون ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، عن كل مخالفة، ومنع مُرتكب المخالفة من العمل في قطاع المنظمات غير الهادفة للربح وذلك لمدة تحددها الجهات المشرفة. ونصت على "جواز" نشر المعلومات المتخذة بموجب هذه المادة لاطلاع الجمهور، وأن تلك العقوبات لا تحول دون المساءلة المدنية والجزائية، وأن تتولى الجهة المشرفة إبلاغ وحدة المتابعة بالإجراءات المتخذة. ينتهك هذا النص أحكام القانون الأساسي الذي يؤكد في المادة (15) على أنه "لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي" ما يعني أنه غير دستوري. كما وينتهك أحكام قانون الجمعيات الخيرية الذي نص في المادة (41) على أنه لا يجوز وضع اليد على أموال الجمعيات إلا بعد صدور قرار من جهة قضائية مستقلة. كما العقوبات الواردة في النص المذكور تتجاوز قانون الجمعيات ولا أساس لها في القانون. إنَّ الإشارة إلى الصلاحية "الجوازية" بنشر تلك الإجراءات للجمهور تُثير تساؤلات جدية بشأن التجاوزات للقانون الأساسي والقانون وتساؤلات بشأن الحق الأساسي للجمهور بالوصول للمعلومات والرقابة المجتمعية.
29. نصت المادة (31) الواردة في الأحكام الختامية على أن "تعد الجهات المشرفة بالتعاون مع اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب التعليمات والقرارات والتدابير اللازمة لتنفيذ الأحكام المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب وتعمل على تنسيبها لوزير الداخلية ووزير الاقتصاد الوطني ووزير الأوقاف لإصدارها". حيث أن هذه اللائحة تنطوي على خروج واسع على القانون الأساسي المعدل (الدستور) قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وقرار بقانون الشركات ونظام الشركات غير الربحية والمعايير الدولية، وتؤدي إلى تقويض تلك التشريعات واستبدالها بما ورد من أحكام في هذا اللائحة بما يؤدي إلى منح صلاحيات مطلقة للجهات المشرفة (دائرة تسجيل الجمعيات ومسجل الشركات) على المنظمات غير الهادفة للربح خلافاً للقانون الأساسي والقانون، فإن إصدار تلك القرارات والتعليمات من شأنه يؤدي إلى المزيد من تقويض القوانين والمعايير الدولية من خلال تعليمات وقرارات تتعارض مع سيادة القانون على الجميع والفصل بين السلطات كأساس للحكم الصالح.
وختاماً، فإنَّ المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب يدعو في تقريره المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة (وثيقة رقم 267/61/A) في توصيات التقرير إلى "إيلاء مزيد من الاهتمام لحرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي في سياق كفالة تطابق تدابير مكافحة الإرهاب مع معايير حقوق الإنسان. ويرى أنه ينبغي للدول ألا تلجأ للتدابير الاستثنائية في مجال حرية تكوين الجمعيات والتجمع. بل إن التدابير التقييدية، كما هو منصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كافية في أي مكافحة فعالة للإرهاب. ويجب دائماً توضيح أن هذه القيود ضرورية ومتناسبة. ويشدد المقرر الخاص على أهمية كفالة أن تخضع جميع القيود للضمانات القضائية".
ثالثاً: الاستخلاصات والتوصيات
30. تأتي هذه اللائحة في ظل هجمة شرسة تشنها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المنظمات الأهلية والتي وصلت ذروتها بقيام سلطات الاحتلال بتصنيف ستة مؤسسات أهلية فلسطينية بأنها "منظمات إرهابية" ومن شأنها أن تؤدي إلى خلط الأوراق وزيادة التضييق على المجتمع المدني بدلاً من تعزيز التعاون المشترك بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني على قاعدة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، واحترام أحكام الدستور والقانون.
31. تنطوي هذه اللائحة على مخالفات واسعة النطاق لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني المعدل (الدستور) وقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وقرار بقانون الشركات ونظام الشركات غير الربحية وأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فيما يتعلق بالحق في حرية تكوين الجمعيات وأنشطتها والمعايير الدولية ذات الصلة، وهي تمنح الجهات المشرفة (دائرة تسجيل الجمعيات في وزارة الداخلية ومسجل الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني) صلاحيات هائلة لإحكام السيطرة على قطاع المنظمات غير الهادفة للربح خلافاً للدستور والقانون، ومن شأنها أن تؤدي إلى تقويض الحق الدستوري في حرية تكوين الجمعيات وتقويض قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية ونظام الشركات غير الربحية، كما أنها تتعارض أيضاً مع أحكام قرار بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
32. تؤدي هذه اللائحة إلى "عسكرة المجتمع المدني" من خلال إلزامه بتطبيق شرط السلامة الأمنية (الفحص الأمني) باشتراط الحصول على هوية وأوراق الاعتماد والسمعة الحسنة لكل المستفيدين من خدمات المنظمات الأهلية وفروع المنظمات الأجنبية العاملة في فلسطين والشركات غير الربحية، ومَنْح الصلاحيات للجهة المشرفة بإلزام قطاع المنظمات غير الهادفة للربح بأكمله بتطبيق شرط السلامة الأمنية على المستفيدين من خدماته خلافاً للدستور والقانون . ما يعني؛ أن إقرار هذه اللائحة من شأنه أن يؤدي إلى تقويض المجتمع المدني وتقويض الرسالة الحقوقية.
33. إن إقرار هذه اللائحة يؤدي إلى المساس بآلاف "المراكز القانونية" للمنظمات الأهلية وفروع المنظمات الأهلية الأجنبية العاملة في فلسطين والشركات غير الربحية والنيل من شخصيتها القانونية وذلك من خلال إلزام قطاع المنظمات غير الهادفة للربح بأكملة بالتسجيل مُجدداً في سجل خاص لدى الجهات المشرفة ووضع شروط جديدة لعملية الترخيص.
34. هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها السلطة التنفيذية باستهداف قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، فقد جرى المساس بأحكام هذا القانون عدة مرات في السنوات الماضية خلافاً للقانون الأساسي وقانون الجمعيات والمعايير الدولية؛ وذلك من خلال القرار الرئاسي بشأن تشكيل لجنة استشارية لرئيس الدولة لشؤون الجمعيات الخيرية الصادر في أيار 2015، والمرسوم الرئاسي بشأن إنشاء هيئة شؤون المنظمات الأهلية الصادر في كانون الأول 2012، والقرار بقانون بشأن تعديل المادة (39) من قانون الجمعيات المتعلقة بأموال الجمعيات بعد حلها الصادر في نيسان 2011 والمرسوم الرئاسي بشأن تراخيص الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر في حزيران 2007 وقرار مجلس الوزراء بشأن الجمعيات والهيئات التي تُمارس أنشطة مخلة بالقانون الصادر في حزيران 2007 والقرار بقانون رقم (7) لسنة 2021 بتعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 الذي جرى وقف نفاذه. هذا الكم الكبير من التشريعات التي تستهدف مؤسسات المجتمع المدني، ودون التشاور معها، يُدلل بوضوح على أننا أمام عملية استهداف "ممنهج" خلافاً للدستور والقانون والمعايير الدولية للحق في حرية تكوين الجمعيات في دولة فلسطين.
35. هناك حاجة ماسة إلى عمل جماعي مُنظم من قبل المنظمات الأهلية وفروع المنظمات الأجنبية العاملة في فلسطين والشركات غير الربحية، المخاطبين بأحكام تلك اللائحة، وموقف موحد، من أجل عدم إقرارها من مجلس الوزراء.
36. ضرورة توحيد وتعزيز جهود مؤسسات المجتمع المدني في مسار الدعوة إلى إجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية، دفاعاً عن منظومة حقوق الإنسان، وترميم النظام السياسي الفلسطيني، على قاعدة احترام الدستور والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين بدون تحفظات واستحقاقاتها تشريعاً وسياسة وممارسة.
** للإطلاع على رسالة المؤسسات والائتلافات غير الربحية حول "مشروع نظام تنظيم قطاع المنظمات غير الهادفة للربح لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم ( ) لسنة 2022م" المرسلة لرئيس الوزراء، انقر/ي هنا.