القائمة الرئيسية
EN
قصف مستودع خضير: حرب كيميائية غير مباشرة
27، مايو 2022

تاريخ وقوع القصف: 15 أيار/مايو 2021

تاريخ النشر: 28 أيار/ مايو 2022

الموقع: غزة، فلسطين

منهجيات البحث: مزامنة للفيديوهات، تجسيم ثلاثي الأبعاد، مقابلات مصورة ومزامنات

مجال النشر: الإعلام، المناصرة القانونية، المسار القانوني.

مدى البحث: الاستهداف الجوي، القصف، الهجوم الكيميائي، العنف البيئي، الحريق.

قاد هذا التحقيق: وحدة الهندسة الاستقصائية في مؤسسة الحق

بالتعاون مع: وكالة فورنزك آركتكتشر

 

بالتعاون أيضاً مع:

التصوير فوتوغرافي، والتصوير الجوي: عين ميديا – غزة

رأي مختص: مرصد الصراع والبيئة البريطاني

 

ملخص: بالتزامن مع إطلاق وحدة الهندسة الاستقصائية في مؤسسة الحق في رام الله، وبالتعاون مع وكالة فورنزك آركتكتشر البريطانية، نفذت الوحدة تحقيقاً في ظروف القصف الإسرائيلي لمستودع خضير للمواد الطبية والزراعية في بيت لاهيا في الخامس عشر من أيار/ مايو 2021، الذي يعد أكبر مستودع للمواد الكيميائية في قطاع غزة، مما يشكل إحدى الكوارث البيئية المفروضة على الشعب الفلسطيني في القطاع المحاصر.

يأتي هذا التحقيق في إطار إطلاق وحدة الهندسة الاستقصائية حديثة النشأة في مؤسسة الحق. فعلى مدار العام ونصف العام المنصرمين، عملت مؤسسة الحق مع وكالة فورنزك آركتكتشر من أجل إنشاء وحدة الهندسة الاستقصائية التابعة لمؤسسة الحق، لتكون ضمن دائرة الرصد والتوثيق في المؤسسة. وباعتبارها الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، توظف الوحدة تقنيات وآليات الهندسة الاستقصائية من أجل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان بحق الفلسطينيين/ات لغرض المحاسبة القانونية والمناصرة العامة. وعليه، تهدف الوحدة إلى إنتاج جيل جديد من التحقيقات المرئية في المجتمع الفلسطيني.

 

في مساء الخامس عشر من أيار/ مايو 2021، في الذكرى الثالثة والسبعين للنكبة وخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي شركة خضير للمعدات الطبية والزراعية التي تعتبر أكبر مخزن للمواد الكيميائية الزراعية في غزة.

 

أشعلت القذائف المدفعية الحارقة مئات الأطنان من المبيدات والأسمدة الزراعية والمواد الكيميائية والمواد الزراعية السامة، مخلّفة بذلك غيمة سامة خيمت على مساحات واسعة من سماء المناطق الشمالية من قطاع غزة. إلا أنّ جيش الاحتلال لم يصدر بياناً رسمياً بخصوص هذا القصف.

 

 

عملت وحدة الهندسة الاستقصائية حديثة النشأة في مؤسسة الحق مع أفراد من عائلة خضير وعدد من سكان المنطقة إلى جانب خبراء دوليين للتحقيق في هذا القصف وتحديد آثار الانبعاثات الكيميائية السامة على سكان القطاع.

 

باعتبارها الوحدة الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، تدشّن وحدة الهندسة الاستقصائية جيلاً جديداً من التحقيقات البصرية من أجل رصد وتوثيق الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بما فيها جرائم الحرب  وجريمة الفصل العنصري.

 

مستودع خضير

 

يقع مستودع خضير في بيت لاهيا ويُخزن فيه حوالي خمسون بالمئة من مجمل المواد الكيميائية الزراعية المستخدمة في القطاع المحاصر.

 

أجرت الوحدة عدداً من المقابلات كما عملت على تحليل عشرات الفيديوهات الملتقطة بواسطة  كاميرات المراقبة والطائرات المسيرة. التي استخدمت في بناء نموذج ثلاثي الأربعاء للمستودع نفسه.

 

 

يتكون المستودع من ست غرف، ويغطي ما مساحته 2700 مترٍ مربع. كما يحيط به عددٌ من المنازل والأراضي الزراعية الفلسطينية.

 

 

لم تكن ظروف هذا القصف واضحة في بادئ الأمر لأن جميع الفيديوهات التي تم الحصول عليها من كاميرات المراقبة كانت تحوي أوقات زمنية غير صحيحة، وعليه لتحديد الأوقات بصورة أكثر دقة؛ قمنا بتحليل الظلال لتحديد الوقت التقريبي لوقوع القصف.  

قمنا بعد ذلك بمطابقة الفيديوهات لتحديد أوقات وقوع الأحداث وعيه حددنا سقوط القذيفة الأولى في المستودع في حوالي الساعة 5:46 مساءً، وكانت تبدو قادمة من الجهة الجنوبية الشرقية.

 

 

بعد ثلاث ثوانٍ سقطت القذيفة الثانية، وبعد دقيقتين، أي حوالي الساعة 5:48 دقيقة، سقطت أربع قذائف أخرى. تم تحديد سقوط ثلاث من الذخائر في داخل المستودع، وبالتحديد في الغرفة رقم "واحد" والغرفة رقم "أربعة". في حوالي الساعة 5:56 دقيقة مساءً، التهمت النيران كومة بلاستيكية واقعة مقابل المدخل الجنوبي للمخزن. بعد دقيقة واحدة فقط، اشتعلت النيران في الغرفة رقم "أربعة".

 

 

تظهر الصور التي التقطها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من موقع الحدث وجود بقايا صواريخ أسطوانية يبلغ قطرها حوالي 15 سنتمتراً.

 

 

تتطابق أبعاد الآثار الجوية للقذائف والدخان مع مواصفات الذخائر من نوع "أم 150" شديدة التفجر بطول 155 ملم التي تصنّعها شركة إلبت الإسرائيلية لتصنيع السلاح. تعتبر ذخائر "أم 150" من القذائف الدخانية المتطورة التي تنقسم الواحدة منها إلى خمس قذائف لتطلق دخاناً شديد الكثافة.

أضاف خبير الذخائر، كريس كوب سميث، أنّ هذا النوع من الذخائر يستخدم بهدف خلق سحابات دخانية للتغطية والتستر على تحرك القوات.

إلا أنه وفي 15 من أيار/ مايو لم يكن هناك أي تحركات لقوات الاحتلال على الأرض في بيت لاهيا وعليه فإنه لا يوجد "أية مبررات عسكرية" لإطلاق ذخائر شديدة الاشتعال وعشوائية بطبيعتها في منطقة مكتظة بالسكان.

 

كارثة زراعية- كيميائية

 

كانت الغرفة رقم "واحد" تحتوي على صفائح مصنوعة من البلاستيك والنايلون بالإضافة إلى أنابيب بلاستيكية ومعدات زراعية. بينما احتوت الغرفة رقم "اثنين" على مبيدات وأسمدة زراعية، إذ كان يوجد فيها حوالي 18,000 لتر من مادة الكونتوس وهي عبارة عن مبيد حشري شديد السمية ذي اشتعالية عالية. في الوقت نفسه، كانت الغرفة رقم "ثلاثة" تحتوي على حوالي 40 نوعاً مختلفاً من المواد الكيميائية والأسمدة والمبيدات الزراعية بما فيها: مبيد كين امين الحشري، ومبيد دورسبان، والسماد الزراعي من نوع أن بي كيه (NPK).

 

 

وفي المجمل، فقد أثرت النيران في حوالي 50 طناً من المواد الكيميائية شديدة الخطورة الموجودة في المستودع.

 

الأعمدة الدخانية السامّة

 

منذ الثالث عشر من أيار/ مايو وعلى مدار أسبوع كامل، وثّق المواطن عبد السلام أبو حليمة، الذي يسكن بالقرب من الموقع، تداعيات العدوان الإسرائيلي. وفي الخامس عشر من أيار/ مايو، وفي حوالي الساعة 5:52 دقيقة مساءً، صوّر أبو حليمة مقطع فيديو يظهر عامود دخان أسود كثيفاً يخرج من مستودع خضير.

ومن أجل تحديد مدى هذا العامود الدخاني، استخدمنا بيانات الأرصاد الجوية كاتجاه الرياح في يوم وقوع الهجوم. حددنا الموقع الجغرافي للقطتين مختلفتين لصورة العامود الدخاني ثم حددنا حجمه.

 

وخلال الساعة الأولى، أثّر العامود الدخاني السامّ على ما مساحته 5.7 كيلومتر مربع، ليغطيَ بيت لاهيا وأراضيها الزراعية ومخيم جباليا المكتظ سكانياً. نقدّر بدورنا أنه غطى ما يقارب 3000 منزل في محيط المنطقة.

 

استمر حريق مستودع خضير لحوالي ستّ ساعات متواصلة، أي من الساعة 5:50 دقيقة مساءً إلى الساعة 11:00 مساءً، ما خلّف دماراً كبيراً في المستودع وأحرق ما بداخله.

 

تشاورنا مع خبير ديناميكيات السوائل، الدكتور سلفادور نافارو مارتينيز، الذي قام بقياس تركيز وانتشار المواد الكيميائية السامّة التي كانت مخزنة في المستودع. أوضح الخبير أن تركيز بعض المواد الكيميائية في الهواء قد تخطى مستويات الخطورة الحادة (آي إي جي إل) AEGL، إذ تبين أن تركيز ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد الفسفور في هواء المناطق التي تبعد عن المستودع مئات المترات قد وصل إلى اثنين حسب مستوى (آي إي جي إل) AEGL، مما سبب أضراراً لا رجعة فيها للصحة البشرية هناك.

كما أضاف نافارو مارتينيز أنّه "عند حدوث اختلاط لعدد من المواد الكيميائية معاً كما حدث خلال الحريق في المستودع، فإن الانبعاثات السامة من هذه الموادّ قد تفاقم من الآثار الوخيمة لبعضها البعض".

 

تحدثنا أيضاً مع سكان المناطق القريبة من المستودع الذين يعيشون في بيئة ملوثة نتيجة للقصف، الذين وصفوا معاناتهم من الروائح السامة التي خلفها القصف وآثارها على عائلاتهم- اثنتان من السكان كانتا المواطنتين إسراء خضير ودعاء خضير اللتين تعرضتا للإجهاض بعد فترة قصيرة من قصف المستودع.  ( مشاهدة الفيديو

 

"اسخدام أسلحة كيميائية"

 

كان هذا القصف الأول من سلسلة واضحة من الهجمات التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي واستهدفت فيها بصورة متعمدة البنية الاقتصادية التحتية للمدنيين والمدنيات وقطاع الصناعة.

في السابع عشر من أيار/ مايو، أي بعد يومين من قصف مستودع خضير، تم استهداف مصنع فومكو للإسفنج بالقرب من مخيم جباليا، ونجم عنه حريق واسع النطاق. وفي اليوم نفسه، تم قصف أكثر من ستة مستودعات ومصانع تقع في المنطقة الصناعية شرقي حي الشجاعية في غزة.

 

 

يشير هذا النمط من الهجمات إلى أن استهداف مصنع خضير وقصفه كان متعمداً، وهو ما تدعمه أيضاً حقيقة الأسلحة الحارقة التي تم استخدامها لقصفه. إذ تعرّض كل هجمة من هذه الهجمات حياة السكان الفلسطينيين لاستنشاق مجموعة كبيرة من الغازات الكيميائية السامة المميتة التي قد تسبب بدورها مزيداً من المشاكل الصحية والبيئية في قطاع غزة المحاصر.

وعليه، تفيد مؤسسة الحق في تقرير قانوني أعدته بناء على نتائج هذا التحقيق بأنّ "قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف مستودع خضير للمواد الكيميائية والزراعية مع العلم بوجود مواد كيميائية سامة فيه يرقى لاستخدام أسلحة كيميائية بصورة غير مباشرة. إن هذه الأفعال محظورة تماماً ويجب أن يتم محاسبة مرتكبيها وذلك بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".