القائمة الرئيسية
EN
"الحق" توصيات لجنة تطوير قطاع العدالة تنتهك استقلال القضاة والقضاء
06، سبتمبر 2018

تابعت مؤسسة الحق الموقف الصادر عن قضاة المحكمة العليا الفلسطينية المنشور على موقع جمعية نادي القضاة بتاريخ 5/9/2018 الذي أعلنوا من خلاله عن تقديم استقالتهم الجماعية ووضعها بتصرف رئيس جمعية نادي القضاة احتجاجاً على توصيات لجنة تطوير قطاع العدالة التي اعتبروها "مساساً باستقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات ووسيلة سهلة لإحكام السيطرة على القضاء من قبل السلطة التنفيذية".

لم تصدر مسودة مكتوبة تبين رؤية اللجنة الرسمية لتطوير قطاع العدالة بعد انقضاء عام كامل على تشكيلها بقرار رئاسي بتاريخ 6/9/2017، ولم تُعرض على النقاش المجتمعي، باستثناء بعض التصريحات الإعلامية.  

وعلى الرغم من أن قرار تشكيل اللجنة أناط بها مهمة إعداد رؤية شاملة لتطوير قطاع العدالة، إلا أن ما رشح من تصريحات اعلامية اقتصر على توصيات مقتضبة وعلى نحو يعتريه الغموض تارة وعدم الدقة في توضيح موقف المجتمع المدني من إصلاح قطاع العدالة تارة أخرى ما أحدث نوعاً من الالتباس في توضيح أو فهم موقف المجتمع المدني من إصلاح قطاع العدالة سواءً في موضوع تقييم القضاة أو غيره من الموضوعات.

وفي ضوء ما رشح من تصريحات إعلامية بشأن تطوير قطاع العدالة فإن "الحق" تؤكد على ما يلي:

  1. أوصت اللجنة بتشكيل لجنة لتقييم القضاة، بقرار من الرئيس، وفيما يبدو أن هذه التوصية لم تلحظ بعد سنوات من الإخفاق في إحراز تقدم جدي في مسار الإصلاح القضائي أن النزيف المستمر الحاصل في القضاء يعود إلى هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء، وبالتالي فإن هذا المقترح من شأنه أن يمنح السلطة التنفيذية مزيداً من النفوذ على القضاء، تحت عنوان تقييم القضاة، من خلال سيطرتها على تشكيل تلك اللجنة. كما ولا توجد معلومات حول أسس ومعايير العضوية في اللجنة والضمانات التي تحول دون أن تتحول تلك اللجنة التي تشكلها السلطة التنفيذية إلى سيف مسلط على القضاة بما ينال من استقلالهم واستقلال القضاء ويمس بمبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات. إن القول بأن مؤسسات المجتمع المدني اقترحت أن تقوم السلطة التنفيذية بتشكيل لجنة لتقييم القضاة على النحو الوارد بتوصية اللجنة، يفتقر إلى الدقة، لأن تصور المجتمع المدني ينص على تشكيل لجنة وطنية "مستقلة" للإصلاح من قبل مجلس تشريعي منتخب أو بتوافق وطني وعلى أسس ومعايير موضوعية وشفافة وقرار السلطة التنفيذية في جميع الأحوال كاشف وليس منشئ.
  2. أوصت اللجنة بأن تعيين رئيس دائرة التفتيش القضائي يتم بقرار من الرئيس بناء على تنسيب مجلس القضاء الأعلى ولمدة أربع سنوات، خلافاً لقانون السلطة القضائية الذي لا يمنح السلطة التنفيذية أية صلاحية بهذا الخصوص، وهذه التوصية وردت ضمن التعديلات التي قدمتها السلطة التنفيذية على قانون السلطة القضائية في العام المنصرم، ولاقت وقتئذ اعتراضاً واسعاً من قبل المجتمع المدني وجمعية نادي القضاة ونادي أعضاء النيابة العامة ونقابة المحامين. وبالنتيجة فإن السلطة التنفيذية تكون قد سيطرت على عملية تقييم القضاة وعلى دائرة التفتيش القضائي، بما من شأنه أن يؤدي للمزيد من التدخل في القضاء وشؤون العدالة.
  3. أوصت اللجنة بأن عملية التقييم تشمل جميع القضاة، بمن فيهم قضاة المحكمة العليا، باستثناء رئيس المحكمة العليا والنائب العام. كما وأوصت بتعديل سن التقاعد للقضاة من (70) سنة إلى (65) سنة باستثناء رئيس المحكمة العليا الحالي. هذه التوصيات؛ من شأنها أن تثير إشكالية "تضارب المصالح" وبخاصة أن من شملهم الاستثناءات هم أعضاء في لجنة تطوير قطاع العدالة، وإنْ حازت تلك التوصيات على موافقة باقي الأعضاء، وهذا ما يؤكد أهمية موقف المجتمع المدني بضرورة استقلالية لجنة إصلاح قطاع العدالة وأن لا تكون المؤسسات الرسمية لقطاع العدالة، وهي المستهدفة بعملية الإصلاح، جزءاً من اللجنة التي تتولى إصلاح قطاع العدالة. ولم تلحظ اللجنة، وهي توصي باستثناء رئيس مجلس القضاء الأعلى "الحالي" من التقاعد على سن (65) سنة أن من أبرز خصائص القاعدة القانونية أنها "عامة ومجردة" لا تصمم من أجل شخص بعينه لأننا بذلك نصبح أمام عملية انحراف تشريعي. ومن جانب آخر، فإن تخفيض سن التقاعد إلى (65) سنة لا يبدو أنه يساهم في معالجة الخلل في المحكمة العليا بقدر ما يمكن أن يساهم في تعقيد الأمور وقد يفسر على أنه يستهدف إحالة قضاة بعينهم في المحكمة العليا للتقاعد القسري والإبقاء على قضاة آخرين.
  4. رغم الجدل الكبير الذي أثاره قرار تشكيل المحكمة الدستورية العليا والأحكام والتفاسير التي صدرت عنها، وقيامها بفرض وصاية على القضاء وعلى النظام السياسي وعلى القانون الأساسي، إلا أن لجنة تطوير قطاع العدالة قد تجاهلت المحكمة الدستورية العليا كلياً في توصياتها بما يثير تساؤلات حول المغزى من هذا التجاهل في ظل صعوبة الحديث عن إصلاح جدي في قطاع العدالة مع بقاء وضع المحكمة الدستورية العليا على حاله.
  5. إن التوصيات الصادرة عن لجنة تطوير قطاع العدالة بشأن النيابة العامة وعلاقتها بالقضاء تخالف المعايير الدولية وبخاصة المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة لعام 1990 والتي تنص في البند (10) على أن "تكون مناصب أعضاء النيابة العامة منفصلة تماماً عن الوظائف القضائية". وهذا ما أكدت عليه اللجنة المعنية بحقوق الإنسان مراراً في مناقشة تقارير الدول وفي التعليق العام رقم (35) الصادر عن اللجنة المرتبط بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد أكدت اللجنة الدولية على أن الممارسات السليمة للسلطة القضائية تقتضي أن تمارس تلك السلطة على يد جهة مستقلة وموضوعية وغير متحيزة فيما يتعلق بالقضايا التي تعالجها وأنه لا يمكن على هذا الأساس اعتبار النيابة العامة مخولة بممارسة السلطة القضائية.
  6. لا يبدو أن توصيات اللجنة بشأن توسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى تولي الاهتمام الكاف بمطالب المجتمع المدني على صعيد بناء "التكوين والأداء المؤسسي" لمجلس القضاء الأعلى وانعاكاساته في مسار الإصلاح القضائي، فهذه المسألة الهامة من الصعب اختزالها - كما ترى اللجنة- بإضافة عضوين إلى تشكلية مجلس القضاء الأعلى الحالي هما رئيس محكمة بداية وشخصية من خارج القضاء يُنسّبها مجلس القضاء الأعلى للرئيس للتعيين، وإنما تتم باتخاذ "خطوات فعّالة" على هذا الصعيد؛ ومن بينها فصل منصب رئيس المحكمة العليا (قضائي) عن منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى (إداري) واختيار قضاة المجلس بمختلف درجاتهم "من نظرائهم" على غرار قضاة المحكمة العليا الذين يتم اختيارهم من قبل هيئة المحكمة العليا والالتزام بتلك الآلية على أرض الواقع كونه لم يتم الالتزام بها، وإشراك القضاة من جميع الدرجات في عضوية المجلس بذات الآلية بما يشمل قضاة الصلح، وتمثيل فاعل للمجتمع المدني في عضوية المجلس لضمان الشفافية والرقابة الخارجية على الأداء والاختيار هنا يكون من داخل المجتمع المدني وليس من خلال المجلس القضائي فهم ليسوا قضاة، مع ضمان علانية الإجراءات والقرارات التي يتخذها المجلس من حيث المبدأ تأكيداً على الشفافية والرقابة على الأداء.
  7. لم يتم الإعلان عن توصيات تتعلق بضمان حق القضاة وأعضاء النيابة العامة في حرية التعبير عن الرأي وفقاً للاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان في ظل التعميمات الصادرة بهذا الخصوص والتي تنتهك القانون الأساسي والمعايير الدولية، وما يتعلق بالتشكيلات القضائية السنوية وتأثيرها في مسار الإصلاح القضائي، وتوزيع الدعاوى على القضاة والهيئات وفق معيار موضوعي والالتزام به، ووضع ضوابط ومعايير واضحة لتشكيل اللجان والدوائر واختيار المدربين ومشاركات القضاة في المؤتمرات وغيرها وتأثيرها على استقلال القضاء.

وعليه فإن مؤسسة الحق تؤكد على ما يلي:

  1. تطالب لجنة تطوير قطاع العدالة (رئيس مجلس القضاء الأعلى، المستشار القانوني للرئيس، وزير العدل، النائب العام، نقيب المحامين، مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عميد كلية القانون في جامعة النجاح، عميد كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت) بتقديم مسودة مكتوبة تتضمن رؤيتها الشاملة لتطوير قطاع العدالة وفق ما نصت عليه المادة الأولى من قرار تشكيل اللجنة، حتى يتسنى للمجتمع المدني مناقشتها ومتابعتها وبخاصة أن الولاية الثانية (الحالية) للجنة تطوير قطاع العدالة انتهت بتاريخ 6/9/2018.
  2. تؤكد على أن نجاح الإصلاح في قطاع العدالة يتطلب توفر إرادة سياسية جادة في عملية الإصلاح، وتطالب السيد الرئيس محمود عباس بإعلان واضح وحاسم بوقف أي شكل من التدخل في القضاء وشؤون العدالة وضمان محاسبة مرتكبيه وذلك لإمكانية وقف النزيف المستمر والدخول في عملية إصلاح فعالة لقطاع العدالة.
  3. ترى أن نجاح عملية الإصلاح في قطاع العدالة تتطلب بالضرورة وجود "بيئة حاضنة للإصلاح" تبدأ باحترام مبدأ سيادة القانون على الجميع كأساس للحكم الصالح، وإعمال مبدأ الفصل بين السلطات، واحترام حق المجتمع في اختيار ممثليه في انتخابات عامة حرة ونزيهة في ظل نظام ديمقراطي، ومشاركة مجتمعية مستقلة وفاعلة في الإصلاح، وبرلمان منتخب يعبر عن الإرادة الشعبية يشرف ويضمن الإصلاح الشامل في قطاع العدالة.
  4. تجدد التأكيد على أن إصلاح منظومة العدالة حقٌ للمجتمع ككل، لا يقبل التجزئة، بما يتطلب العمل الجاد على إعادة توحيد وإصلاح القضاء في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومتابعة الأوضاع الكارثية لمنظومة العدالة في قطاع غزة والأحكام والقرارات التي صدرت في ظل الانقسام، وأن تشمل عملية الإصلاح المحكمة الدستورية العليا باعتبارها الذراع القوية لمبدأ سمو القانون الأساسي وصيانة الحقوق والحريات العامة، وضمان دور فاعل للمرأة الفلسطينية في مسار عملية إصلاح قطاع العدالة برمته وفي عضوية المحكمة الدستورية العليا.