القائمة الرئيسية
EN
مؤسسة الحق تطالب الحكومة المقالة باحترام وحدة القضاء الفلسطيني والتراجع عن القرارات التي تنتقص أو تمس باستقلاله
19، أكتوبر 2007

ورقة موقف من قرار رئيس الوزراء المقال بتشكيل مجلس عدل أعلى في قطاع غزة

منذ إتمام السيطرة الفعلية لحركة حماس على مقار ومؤسسات السلطة في قطاع غزة منتصف شهر حزيران المنصرم، أقدمت الحكومة الفلسطينية المقالة، كسلطة أمر واقع،  على اتخاذ مجموعة من الاجراءات والتدابير الرامية الى تعزيز سيطرتها وتمكينها من إدارة وتسيير شؤون القطاع، حيث أصدرت لتحقيق هذه الغاية عشرات القرارات التي طالت مختلف الجوانب الإدارية والتنظيمية والأمنية والمالية.

ولم تقتصر قرارات الحكومة المقالة على الجوانب والمجالات المتعلقة بالشأن التنظيمي الإداري الهادف الى الحفاظ على الأمن والنظام العام، وضمان السير المعتاد للمرافق والادارت العامة، وإنما تخطت ذلك، لتشمل مؤسسسات العدالة الجنائية والسلطة القضائية الفلسطينية، ويمكن حصر أهم هذه القرارات فيما يلي:

أولاً: إصدار رئيس الحكومة المقالة بتاريخ 11/9/2007م قراراً بتشكيل مجلس العدل الأعلى، كمجلس بديل وموازي لمجلس القضاء الفلسطيني. حيث تم تكليف وزير العدل في الحكومة المقالة، بتنسيب ستة أشخاص لعضوية هذا لمجلس، الذي أعلن عن تأسيسه فيما بعد برئاسة المحامي عبد الرؤوف عمر الحلبي.

ثانياً: وتضمّن قرار التشكيل تسمية ستة أعضاء في المجلس، على أن يقوم هؤلاء الأعضاء بتنسيب ثلاثة أعضاء آخرين لوزير العدل في الحكومة المقالة، بحيث يصبح المجلس حال استكمال عضويته مكوناً من تسعة أعضاء، أنيط بهم استناداً لقرار التشكيل ممارسة  المهام والصلاحيات التالية:

1. تحديد قائمة المراكز القضائية الشاغرة وتحويلها لوزارة العدل للإعلان عنها.
2. تنسيب القضاة وترقياتهم لمجلس الوزراء بعد توصية لجنة التعيينات.
3. التقرير في إنهاء خدمة القاضي أو تكليفه بمهمة غير قضائية.
4. الموافقة على طلبات إجازات القضاة وإبلاغ وزارة العدل بذلك.
5. تلقي تظلمات القضاة والبت فيها.

ثالثاً: بتاريخ 29/8/2007 أصدر د. يوسف المنسي، وزير العدل المكلف في الحكومة الفلسطينية المقالة، قراراً بتعيين نائب عام مساعد وعدد من وكلاء ومعاوني النيابة لممارسة مهام النائب العام ومعاونيه في قطاع غزة، حيث أدى النائب العام المساعد الأستاذ إسماعيل جبر اليمين أمام وزير العدل في الحكومة المقالة، بحضور الدكتور أحمد بحر، رئيس المجلس التشريعي بالإنابة.

رابعاً: بتاريخ 16/8/2007م اقتحمت مجموعة مسلّحة تابعة للقوّة التنفيذية، مقار النيابة العامة في مدينة غزة، حيث تم احتجاز النائب العام الأستاذ أحمد المغني ووكلاء ورؤساء النيابة في المبنى، ليتم في اعقاب ذلك إجبار النائب العام، تحت تهديد السّلاح، على مرافقة القوّة التنفيذية لمجمع الأجهزة الأمنية الفلسطينية (السرايا) وسط مدينة غزة، وهناك طلب منه التعهّد بالامتناع عن مغادرة قطاع غزة إلى الضفة الغربية، والامتناع عن ممارسة مهام النائب العام وعدم الإدلاء بأيّة تصريحات صحفية لوسائل الاعلام

خامساً: بتاريخ 14/8/2007 أصدر د. يوسف المنسي، وزير العدل المكلّف في الحكومة الفلسطينية المقالة، قراراً يقضي بتوقيف النائب العام أحمد المغني، عن مباشرة مهام عمله على خلفية الادعاء بعدم صحة وسلامة الإجراءات القانونية التي تمت بشأن تعيينه في 18/9/2005م.

سادساً: بتاريخ 13/8/2007 صدر في قطاع غزة العدد 71 من الجريدة الرسمية للسلطة الوطنية الفلسطينية (الوقائع الفلسطينية)، والذي تضمّن إعادة نشر نص المادة (107/1) من القانون الأساسي المعدل لعام 2003م، المتعلقة بتعين النائب العام، مضافاً إليها عبارة و"بمصادقة المجلس التشريعي الفلسطيني".

إن ما يعنينا من مجمل القرارات والتصرّفات السالفة، هو ما شابها من انتهاكات ومخالفات جسيمة لمبدأ المشروعية وسيادة القانون جراء مخالفتها القانونية الصريحة لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني وقانون السلطة القضائية، وهذا ما يمكننا الوقوف عليه بالنقاط التالية:

1. إنّ تشكيل مجلس العدل الأعلى ومنحه صلاحيات ومهام مجلس القضاء الأعلى، المشكل بمقتضى قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، يمثل انتهاكاً سافراً لأحكام القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، لكون تشكيل مجلس العدل الأعلى يعتبر استحداثاً لهيئة قضائية لم يرد بشأنها أي نصّ على صعيد قانون السلطة القضائية أو القانون الأساسي، ومن ثم لا يمتلك قرار تشكيل هذا المجلس من حيث المبدأ، لأي سند تشريعي لإضفاء المشروعية القانونية على وجوده.

ومن جانب آخر، استند رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في قطاع غزة في ديباجة قراره الخاص باستحداث  مجلس العدل الأعلى، على أحكام القانون الأساسي حيث جاء في ديباجة القرار: "وبعد الاطلاع على القانون الأساسي وبناء على الصلاحيات المخولة لنا قانوناً وبناء على مقتضيات المصلحة العامّة فقد قرّر مجلس الوزراء في جلسته الثامنة والعشرين المنعقدة بمدينة غزة بتاريخ 11/9/2007م ما يلي...الخ." ولعل ما يستوقفنا بهذه العبارة الأمور التالية:

  • لم يرد في القانون الأساسي أيّ نص بشأن ما سمي بمجلس العدل الأعلى.
  • الصلاحيات المخوّلة بمقتضى القانون لرئيس وأعضاء مجلس الوزراء قد حدّدت على وجه الحصر بمقتضى نص المادة (68) من القانون الاساسي التي جاء بمضمونها: "يمارس رئيس الوزراء ما يلي: 1- تشكيل مجلس الوزراء أو تعديله أو إقالة أو قبول استقالة أي عضو أو ملء الشاغر فيه. 2- دعوة مجلس الوزراء للانعقاد في جلسته الأسبوعية أو عند الضرورة، أو بناء على طلب رئيس السلطة الوطنية، ويضع جدول أعماله. 3- ترؤس جلسات مجلس الوزراء. 4- إدارة كل ما يتعلق بشؤون مجلس الوزراء. 5- الإشراف على أعمال الوزراء والمؤسسات العامة التابعة للحكومة. 6- إصدار القرارات اللازمة في حدود اختصاصاته وفقاً للقانون. 7- توقيع اللوائح أو الأنظمة التي يصادق عليها مجلس الوزراء. 8- يقوم رئيس الوزراء بتعين نائب له من بين وزرائه ليقوم بأعماله عند غيابه."

كما حددت المادة (69) من القانون الأساسي اختصاصات مجلس الوزراء بقولها: "يختص مجلس الوزراء بما يلي: ... - إعداد الجهاز الإداري، ووضع هياكله، وتزويده بكافة الوسائل اللازمة، والإشراف عليه ومتابعته.- متابعة تنفيذ القوانين وضمان الالتزام بأحكامها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك. - الإشراف على أداء الوزارات وسائر وحدات الجهاز الإداري لواجباتها واختصاصاتها، والتنسيق فيما بينها. - إنشاء أو إلغاء الهيئات والمؤسسات والسلطات أو ما في حكمها من وحدات الجهاز الإداري التي يشملها الجهاز التنفيذي التابع للحكومة، ...."

ومن هذا المنطلق ينحصر دور رئيس الوزراء ومجلس الوزراء بمقتضى القانون الأساسي من حيث الأصل في ممارسة صلاحيات تنفيذية قاصرة على ضمان حسن وديمومة سير الإدارة العامّة والمرافق العامة، بل إن من واجبات ومسؤوليات مجلس الوزراء كما هو واضح من القانون الأساسي العمل على متابعة تنفيذ القوانين وضمان الالتزام بأحكامها، وهذا ما يقتضى حكماً احترام مجلس الوزراء ورئيس الحكومة لاحكام القانون الأساسي ولقانون السلطة القضائية، وهو بلا شك ما لم يتحقق بتشكيل وتأسيس مجلس العدل الأعلى، الذي يجسّد تشكيله انتهاكاً جسيماً وتجاوزاً صارخاً للصلاحيات والمسؤوليات المناطة برئيس وأعضاء مجلس الوزراء بمقتضى القانون.

  • إنّ الاطلاع على أحكام القانون الأساسي تعني حكماً الاطلاع على نص الممادة (98) من القانون الأساسي التي ورد فيها: "القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخّل في القضاء أو في شؤون العدالة،" كما يعني ذلك الاطلاع أيضاً على نص المادة (45) من القانون الأساسي التي جاء بنصها: "يختار رئيس السلطة الوطنية رئيس الوزراء ويكلّفه بتشكيل حكومته وله أن يقيله أو يقبل استقالته، وله أن يطلب منه دعوة مجلس الوزراء للانعقاد."

ومن هذا المنطلق على رئيس وأعضاء الحكومة المقالة إذا ما احتكموا للقانون الأساسي، إن يلتزموا باحكام هذا القانون، وأن يحترموا مضمونه سواء على صعيد ممارسة صلاحياتهم أو على صعيد احترام صلاحيات غيرهم من السلطات، بل من غير المعقول والمبرّر أن يستند رئيس مجلس الوزراء المقال في إضفاء المشروعية على قراره بتشكيل مجلس العدل الأعلى إلى أحكام القانون الأساسي، في الوقت الذي يرفض أو يسقط أو يعلّق الصلاحيات الممنوحة بمقتضى هذا القانون لرئيس السلطة التنفيذية بإقالته، أو للصلاحيات والسلطات الممنوحة للسلطة القضائية أو التشريعية.

وليس هذا فحسب، بل إنّ نصوص القانون الأساسي كما هو ثابت ومستقر، ليست نصوصاً انتقائية بحيث يأخذ منها رئيس الوزراء المقال ما يخدم سلطته وينكر أو يعلق بالمقابل النصوص والمواد الناظمة لمهام وصلاحيات غيره من السلطات.

  • إنّ قرار الحكومة باستحداث وتشكيل مجلس عدل أعلى لممارسة مهام وصلاحيات مجلس القضاء الأعلى المشكّل بمقتضى قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002م، بالرغم من غياب السند التشريعي لوجود هذه الهيئة الجديدة، يمثل استناداً لأحكام القانون الغاء صريح لنص المادة (100) من قانون السلطة القضائية، وهي بلا شك صلاحية لا يمتلكها مطلقاً مجلس الوزراء أو رئيس الوزراء، لكون صلاحية التشريع وإلغائه وتعديله، مناطة من حيث الأصل بصاحب السلطة التشريعية أي البرلمان، ورئيس السلطة التنفيذية كأستثناء يمكن له ممارسته في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي.

كما أن منح صلاحيات مجلس القضاء الاعلى بمقتضى القرار السالف لهذه الهيئة المستحدثة، يعد انتقاصا واضحا وصريحا لصلاحيات ومهام مجلس القضاء الأعلى ولأسس ومقومات استقلال السلطة القضائية، التي كفلتها وأكدت عليها المادة (98) من القانون الأساسي.

وليس هذا فحسب بل إن إشراك السلطة التنفيذية في عمل يعد من صميم شؤون العدالة والشؤون الداخلية لإدارة وتسيير السلطة القضائية،  يمثل مظهرا من مظاهر الانتقاص والمس  باستقلال وحياد هذه السلطة.

  • إنّ جميع الصلاحيات التي سيمارسها مجلس العدل الأعلى تعتبر باطلة سواء على صعيد التعيين أو الترقية أو التظلّم أو إنهاء الخدمة للقضاة، ولهذا فإنّ أي قرار إداري سيتم اتخاذه من المجلس، مشوب بعيب عدم الاختصاص الجسيم، لصدور هذه القرارات عن  جهة لا تمتلك الحق والأهلية القانونية لإصدارها، لكون الجهة المالكة للأهلية القانونية لإصدار مثل هذه القرارات استناداً لأحكام القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية هي فقط مجلس القضاء الأعلى.

2. إنّ قرارات وزير العدل في الحكومة المقالة سواء تلك المتعلقة بتوقيف النائب العام الاستاذ أحمد المغني، عن مباشرة مهام عمله أو المتعلقة بتعيين نائب عام مساعد وعدد من وكلاء ومعاوني النيابة لممارسة مهام النائب العام ومعاونيه في قطاع غزة، هي قرارات باطلة وغير مشروعة لمخالفتها الجسيمة لأحكام القانون الاساسي وقانون السلطة القضائية لعدة اعتبارات أهمها:

  • إن من يمتلك صلاحية تعيين النائب العام هو رئيس السلطة الوطنية، بل إن أهم المبادىء الادارية المستقرة في هذا الجانب امتلاك من  يملك صلاحية التعيين لصلاحية الإقالة.
  • جاء في نص المادة (64) من قانون السلطة القضائية: "1- يؤدي أعضاء النيابة العامة قبل مباشرتهم لعملهم في المرة الأولى اليمين الآتية:" (أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور والقانون وأن أقوم بواجبي بأمانة وإخلاص). 2- يؤدي النائب العام اليمين أمام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بحضور وزير العدل. 3- يؤدي باقي أعضاء النيابة اليمين أمام وزير العدل بحضور النائب العام."

وبالنظر لكون  القانون قد اشترط صراحة حضور النائب العام تأدية اليمين لأعضاء النيابة العامة، فأن تغييب النائب العام عن القسم يمثل انتهاكاً وخروجاً على الإجراءات الشكلية التي يتطلبها القانون في تعيين أعضاء النيابة العامّة ما يجيز الطعن ببطلان تعيين هؤلاء الأشخاص من قبل النائب العام أو كل ذي مصلحة.

  • صدور قرارات التعيين في النيابة من شخص لايملك حق إصدارها، لكون الحكومة المقالة في قطاع غزة قد فقدت صفتها القانونية من تاريخ إقالتها، ولهذا فإنّ أيّ قرار إداري يتم اتخاذه من اي عضو من أعضاء هذه الحكومة، مشوب بعيب عدم الاختصاص الجسيم، لصدور هذه القرارات عن شخص لا يمتلك الاهلية القانونية لاصدارها القانونية.

3. لا يقتصر الأمر على عدم مشروعية القرارات الصادرة عن الحكومة المقالة بشأن تشكيل المجلس الأعلى أو وقف النائب العام عن ممارسة صلاحياته، وإنما تكمن خطورة هذه القرارات والممارسات في ضرب وحدة ولحمة السلطة القضائية التي ستصبح جراء هذه القرارات والممارسات سلطتين، ومن ثم ستعيد هذه الإجراءات القضاء الفلسطيني الى مرحلة الثنائية، أي نظامين قضائيين، مما يعني ضياع الجهود التي بذلها الجميع على مدار أكثر من عقد لتوحيد القضاء الفلسطيني.

لاشك بأن وحدة وقوّة وهيبة واستقلال السلطة القضائية الفلسطينية، وضمان حيادها وتجنب الزجّ بها في أتون الصراع السياسي والحزبي، يجب ان يبقى هدفاً سامياً وأساسياً ليس لمؤسسات المجتمع المدني فحسب، بل لجميع القوى السياسية الفلسطينية، لكون القضاء النزيه والمحايد والمستقل أحد الأعمدة الأساسية الضامنة لاستقرار وأمن المجتمع بمختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولهذا إذا ما غابت هذه الضمانة أو إذا ما تم الانتقاص من استقلالها وهيبتها جراء الاعتداء عليها أوغصب سلطتها، فقدَ المجتمع بلا شك أسس استقراره ومقومات تطوره ونمائه.

ومن هذا المنطلق فإنّ تعزيز استقلال القضاء الفلسطيني وحياده ونزاهته بل والارتقاء بالسلطة القضائية والوصول به لمصاف الدول التي تقدّر وتقدّس استقلال قضائها، يقتضي من سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة الغاء كافة الاجراءات والتدابير والقرارات التي قد تنتقص أو تؤثر على استقلال وسيادة القضاء أو قد تعيد القضاء الفلسطيني الى الحال الذي كان عليه قبل عقود من الزمن.

-انتهى-