القائمة الرئيسية
EN
السلاح لا يميز متى توافرت النية بالقتل..قوات الاحتلال الاسرائيلي تواصل ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة
07، يناير 2009

في ظل مواصلة فرض الحصار المحكم على قطاع غزة المحتل، شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم 27/12/2008 بتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق، أطلقت عليها اسم "عوفيرت يتسوكا" بالعبرية، أو "الرصاص المسبوك" بالعربية، والتي استهدفت أرجاء القطاع. وأعلن عن بدء العملية بعد أن قامت عشرات الطائرات المقاتلة والمروحيات الاسرائيلية بعمليات قصف واسعة ومتزامنة، استهدفت المدنيين والأعيان والممتلكات المدنية العامة والخاصة، وغالبية مقار الشرطة المدنية الفلسطينية، ومقار وأهداف تابعة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" والمؤسسات والوزارات التي تديرها حكومة "حماس" المقالة، ومقار الدفاع المدني، والأحياء السكنية، ومخيمات اللاجئين، والمساجد.

وطبقاً للمعلومات التي توافرت لمؤسسة الحق بواسطة باحثيها الميدانيين العاملين في قطاع غزة، فإن نسبة الضحايا المدنيين تجاوزت 80% من بين القتلى جراء القصف العشوائي والمكثف، وبلغ عدد الذين قتلوا لغاية ظهيرة 06/01/2009 615 شخصاً، بينهم 506 من المدنيين، بضمنهم 148 طفلاً، و47 امرأة، في حين وصل عدد الجرحى لغاية ذلك التاريخ إلى 2800 شخص. كما تسبب القصف العشوائي بتدمير 280 منزلاً بشكل كلي، في حين تضرر ما يقارب من 3700 منزل بأشكال متفاوتة، وتهديم حوالي 37 منشأة مدنية وحكومية، ومستودع أدوية، وتم قصف 13 مسجداً، والجامعة الإسلامية في غزة والتي تعرّضت للقصف عدّة مرات، و4 مدارس، إحداهما المدرسة الأمريكية. كما استهدف القصف المقرات الأمنية ومقرات الشرطة المدنية مما أدى لتدمير 40 منها. كما تستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي وحدات الخدمات الطبية وأفرادها، حيث تدل المعطيات التي بحوزة "الحق" أنه قد قتل 5 وجرح 28 من أفراد الخدمات الطبية جراء القصف العشوائي.

لقد بدأت قوات الاحتلال بتنفيذ الهجوم الجوي في الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً بينما كانت الشوارع والأماكن العامة مزدحمة بالمدنيين، وذلك دون توجيه أي إنذار مسبق، مما تسبب بمقتل 289 شخصاً وجرح حوالي 600 معظمهم من المدنيين وقوى الشرطة المدنية خلال اليوم الأول. هذه العملية العسكرية ما زالت متواصلة لغاية الوقت الحالي، حيث دخلت يومها الثاني عشر. يذكر أن قوات الاحتلال كانت قد أعلنت في الساعة التاسعة من مساء يوم 03/01/2009 عن بدء العملية العسكرية البرية في قطاع غزة تحت غطاء كثيف من القصف الجوي والبري والبحري.

تمثل عملية "الرصاص المسبوك" ذروة اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحتل بعد وقوعه تحت الاحتلال عام 1967، إذ تُستخدم القوة العسكرية التدميرية والغير مبررة، وذلك دون أي تمييز بين المدنيين والمقاتلين وبين الأهداف والمنشآت ذات الطابع العسكري والمدني، فتتعمد استهداف المدنيين بالقتل، وإرهابهم وإشاعة الرعب بينهم.

وتتواصل هذه العملية العسكرية وتتوسع في ظل انعدام أي تحرك دولي جاد وفاعل لوقفها ووضع حد للجرائم الناجمة عنها، ونتيجة لاستمرار المجتمع الدولي في التقاعس عن تنفيذ التزاماته الناشئة عن ميثاق الأمم المتحدة التي تستدعي ممارسة الضغط على إسرائيل -السلطة القائمة بالاحتلال- لحملها على الوقف الفوري للعدوان. وعوضاً عن وقف السياسات العدوانية والقمعية المتبعة تجاه الفلسطينيين، ووضع حد لأعمال القتل الجارية في الأرض الفلسطينية المحتلة، نرى أنه كلما اجتمعت الحكومة الإسرائيلية لتقييم الوضع السائد، يذهب المجتمعون ومن ضمنهم القادة العسكريون، وقادة مختلف الأجهزة الأمنية إلى التأكيد من جديد على نجاعة وفعالية الأساليب المتبعة بحكم أنها الطريقة الأمثل لمحاربة "الإرهاب" حيث يكيلون المديح والثناء لمختلف وحدات جيش الاحتلال لما حققته من "نجاحات"، والتي تتمثل بقتل المدنيين وتخويفهم وإرهابهم ونشر الذعر بينهم، وتدمير الأعيان والممتلكات المدنية.

أدى استهداف الطائرات المقاتلة الاسرائيلية لمقر الشرطة الكائن في مدينة غزة في اليوم الأوّل للهجوم إلى مقتل 65 من ضباط الشرطة المدنية، وذلك خلال مشاركتهم بحفل تخريج دفعة من الضباط. وتسبب استهداف المدنيين والأماكن السكنية المكتظة بواسطة القصف المكثف والعشوائي من الجو والبر والبحر بإبادة العديد من الأسر منها أسرة الدكتور نزار ريّان أحد القادة السياسيين لحركة "حماس" الذي قتل مع زوجاته الأربع وتسعة من أبنائه جراء استهداف طائرة مقاتلة إسرائيلية لمنزله المكون من أربع طبقات بالقصف، بالإضافة لتدمير وإلحاق الأضرار بعشرات المنازل المتاخمة.

وقصفت المقاتلات الاسرائيلية في 29/12/2008 مسجد عماد عقل الكائن في إحدى ضواحي مدينة جباليا المكتظة بالمدنيين مما أدى لمقتل خمسة أطفال (أخوات) ممن تتراوح أعمارهم بين 4-17 عاماً، تواجدن جميعهن في بيتهن الكائن بالقرب من المسجد الذي دمر كلياً جراء إصابته بقذيفة، إضافة لتضرر تسعة منازل اخرى.

وفي فجر يوم 28/12/2008 تعرض منزل المواطن زياد العبسي لقصف من مقاتلة إسرائيلية الواقع في مخيم يبنى للاجئين في رفح مما أدى لاصابته بجروح هو وزوجته وستة من أفراد عائلته، ومقتل ثلاثة من أطفاله

كما قتل ثلاثة أطفال جراء استهداف مقاتلات إسرائيلية لمنطقة القرارة الواقعة شرقي مدينة خان يونس وذلك في يوم 02/01/2009 ظهراً بينما كانوا يلعبون في حقل مفتوح على بعد 1500 متر عن الحدود بين غزة وإسرائيل، وهم محمد الأسطل البالغ من العمر 12 عاماً، وأخوه عبد ربه الأسطل 9 أعوام، وأبن عمهم عبد الستار الأسطل 8 أعوام.

تعتبر المساجد من ضمن الأماكن التي تستهدفها قوات الاحتلال الاسرائيلي، حيث تم قصف 13 مسجداً لغاية الان. ففي عصر 03/01/2009 قامت مقاتلات إسرائيلية باستهداف وتدمير مسجد إبراهيم المقادمة، وذلك خلال صلاة العشاء، مما تسبب بمقتل 16 مدنياً، بينهم 6 أطفال، وإصابة 30 مدنياً بجروح.

تنطوي العمليات الحربية التي تقوم بها قوات الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة وبمواجهة سكانه المدنيين على انتهاكات خطيرة لأحكام القانون الدولي الانساني- التعاقدي والعرفي- إذ أنها مخالفة لأحكام لائحة لاهاي لعام 1947 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، وتحديداً للمادة 25 والتي تحظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية أياً كانت الوسيلة المستعملة، والمادة 46 التي تنص على وجوب احترام شرف الأسرة وحقوقها، وحياة الأشخاص والملكية الخاصة، والمعتقدات والشعائر الدينية، وعلى عدم جواز مصادرة الملكية الخاصة.

كما تمثل الأفعال الاسرائيلية انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب لسنة 1949 كالمادة 33 التي تحظر العقوبات الجماعية وكافة تدابير التهديد أو الإرهاب بمواجهة الأشخاص المحميين، وتحظر الاقتصاص من ممتلكاتهم، والمادة 53 التي تحظر على دولة الاحتلال تدمير أي ممتلكات ثابتة أو منقولة تعود للأفراد أو للجماعات، أو للدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير.

يشار إلى أن استهداف المدنيين بذريعة وجود أفراد لا ينطبق عليهم تعريف المدنيين بينهم ليس من شأنه أن يجرّد المدنيين من صفتهم المدنية، ما يعني أنه لا يجيز استهداف وقصف الأمكان المتواجدين فيها كما هو منصوص عليه في المادة 51 (3) من البروتوكول الأوّل المضاف لاتفاقيات جنيف لعام 1977. ووفقاً لأحكام المادة 51 من البروتوكول تمتع السكان المدنيين بالحماية بمواجهة الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، ولا يجوز أن يكونوا عرضة أو محلاً للهجوم، وتحظر كافة أعمال العنف أو التهديد الرامية إلى بث الذعر بينهم، وتحظر الهجمات العشوائية التي لا توجّه إلى هدف عسكري، أو من شأنها أن تصيب الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز. وتعتبر هذه الأفعال مخالفة خطيرة لأحكام المادة 55 من البروتوكول والتي تقضي بوجوب حماية الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وتحظر مهاجمتها أو تدميرها أو تعطيلها كالمواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل التي تنتجها الماشية ومرافق الشرب وشبكاتها وأشغال الريّ.

يتعين القول أن العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الاحتلال في معرض اجتياحها لقطاع غزة هي مخالفة لكافة القواعد والأحكام السالفة الذكر، وكذلك للمبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي الانساني. فما يجري في قطاع غزة نتيجة استمرار قوات الاحتلال الاسرائيلي والتمادي في استخدام القوة التدميرية ضد المدنيين الفلسطينيين واستهداف المناطق والأحياء السكنية بالقصف العشوائي المكثف من الجو والبر والبحر وتدمير المنشآت والممتلكات المدنية العامة والخاصة هو بمثابة جرائم حرب. فقوات الاحتلال تواصل لليوم الحادي عشر على التوالي استهداف السكان المدنيين والأفراد الذين لا علاقة لهم بالأعمال العدائية، والهجوم المتعمد على المنشآت والممتلكات المدنية، وأعمال القتل المتعمد والإصابة الخطيرة التي تسبب الألم أو الإضرار الخطير بالجسم أو الصحة، والتدمير الشامل، والتعرّض لكرامة البشر، والهجوم المتعمد على الأبنية والمعدات الطبية بالإضافة للأفعال المتعلقة بمنع الجرحى من الوصول للمستشفيات لتلقي العلاج الطبي. كما تقع هذه الأفعال ضمن مدلول الجرائم ضد الانسانية بصفتها ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين، ويتمثل بأعمال القتل العمد، وعمل لا إنساني مرتكب ضد السكان المدنيين قبل الحرب أو أثناءها، وهي صادرة عن دولة أو نظام سياسي ويتم تنفيذها من خلال فاعلين ذوي سلطة، أو غير ذوي سلطة.

إن تقاعس المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته تجاه الفلسطينيين تحت الاحتلال الاسرائيلي، وفشل مجلس الأمن بممارسة صلاحياته المتمثلة بحماية السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابهما عبر وقف العدوان الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وباتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين الحماية للفلسطينيين في الأرض المحتلة والناتج عن الاعتبارات والمصالح السياسية لبعض الدول الأعضاء إنما تمثل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي وللمعايير الدولية لحقوق الانسان، ما من شأنه أن يزعزع الثقة بالقانون الدولي وبمبادئ القانون الدولي الانساني وبحقوق الإنسان ويحط من مكانتها بين المجتمعات.

إن مؤسسة الحق، وفي ضوء مواصلة قوات الاحتلال الاسرائيلي استخدام القوة التدميرية ضد قطاع غزة بقصد القتل وإلحاق الدمار بالمنشات والممتلكات المدنية العامة والخاصّة، وتماديها في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين الفلسطينيين والممتلكات والمنشآت المدنية، وإذ تدين بشدة العدوان الذي تمارسه إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال ضد قطاع غزة، فأنها تطالب:

  • الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة الوفاء بتعهداتها المنصوص عليها بموجب المادة الأولى من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن احترام الاتفاقية في جميع الأحوال، وذلك عبر ممارسة الضغط الجاد على إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بما يضمن احترامها لقواعدها وأحكامها.
  • الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة الوفاء بتعهداتها الناشئة عن المادة 146 من الاتفاقية والمتمثلة باتخاذ العقوبات وكافة الاجراءات التشريعية اللازمة لفرض عقوبات جزائية فعالة على كل من ارتكب أو أمر بارتكاب أي من المخالفات الجسيمة المنصوص عليها في المادة 147 من الاتفاقية أو خطط لها ضد الأشخاص والممتلكات المحمية بموجب الاتفاقية. 
  • الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة العمل بالقرار 377 "الاتحاد من أجل السلام" لسنة  1950 الدعوة الفورية لانعقاد دورة طارئة في سبيل إعادة الأمن والسلم إلى نصابهما، وذلك ظل فشل مجلس الأمن في حماية الأمن والسلم جراء انحيازة، ومواصلته التقاعس عن القيام بمسؤولياته المتمثلة بإلزام السلطات الاسرائيلية على وقف العدوان في قطاع غزة بما يحفظ الأمن الدولي.
  • الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتخاذ الإجراءات الفاعلة، بما في ذلك العقوبات، والتي من شأنها إلزام السلطات الاسرائيلية وقف العدوان وكافة العمليات العسكرية واحترام وتطبيق أحكام القانون الدولي الانساني ولما جاء في دليل الاتحاد الأوروبي بشأن تعزيز الامتثال للقانون الدولي الانساني.
  • مؤسسات المجتمع المدني في سائر انحاء العالم لمواصلة نشاطات وفعاليات التنديد بالعدوان الاسرائيلي وممارسة الضغط الفاعل على حكوماتها لإجبارها على الوفاء بالتزاماتها وفقاً للقانون الدولي وممارسة الضغط الفاعل على إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لوقف عدوانها ضد قطاع غزة وتأمين الحماية للمدنيين ولسائر الفئات المحمية وفقاً للقانون الدولي الإنساني.

- انتهى -