القائمة الرئيسية
EN
ما هو مصير محاكمة مشعل في لاهاي؟
08، سبتمبر 2014

khaled-meshaalقالت صحيفة يديعوت أحرونوت "الإسرائيلية" على موقعها الإلكتروني، إن منظمة "إسرائيلية" تحمل اسم "شورات هدين" تقدّمت بدعوى قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ضد رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل لاتهامه بالمسؤولية عن إعدام 38 فلسطينيا خلال الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة على غزة.

وأوضحت الصحيفة أن الدعوى تم تقديمها ضد مشعل بالاستناد إلى كونه يحمل الجنسية الأردنية، ولكون الأردن عضواً كامل العضوية في المحكمة الدولية. حول الدعوى القضائية كان لنا في صحيفة "الحدث" هذا الحوار مع المستشار القانوني لمؤسسة الحق د. عصام عابدين.

 

ما هي أسانيد الشكوى المقدمة للمحكمة الجنائية الدولية ضد السيد خالد مشعل؟

تستند الشكوى المقدمة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بحق السيد خالد مشعل، إلى أن السيد مشعل هو أحد رعايا الأردن، التي هي دولة طرف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتزعم الشكوى المقدمه أنه مسؤول جنائياً عن حالات الإعدام خارج نطاق القانون التي جرت في قطاع غزة، وأن الاختصاص فيها ينعقد للمحكمة الجنائية الدولية، وعلى هذا الأساس أحيلت الشكوى للمدعي العام كي يباشر التحقيق فيها من تلقاء نفسه.

 

ما هي الشروط المسبقة لاختصاص المحكمة ومقبولية الدعوى أمامها؟

عندما يتسلم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الشكوى المقدمة، وقبل السير في إجراءات التحقيق بموضوعها، عليه أن يقوم بفحص الشروط المسبقة للاختصاص ومقبولية الدعوى أمام المحكمة، وبالتالي سيكون عليه الوقوف عند مسائل أساسية بهذا الخصوص، ومن شأنها أن تودي في نهاية المطاف إلى عدم قبول الشكوى المقدمة. وأبرز المسائل أو الإشكاليات التي يتوجب على المدعي العام التصدي لها قبل بحث الشكوى والسير بالتحقيقات هي:

  1. هل السيد خالد مشعل يحمل الجنسية الأردنية فعلاً والأردن هي دولة طرف في اتفاقية روما؟ الإجابة على هذا التساؤل مهمة في مسألة الاختصاص، لأن اتفاقية روما تنص في الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص على أن تكون الدول طرف في الاتفاقية وأن تكون الجريمة التي تدخل في اختصاص المحكمة قد وقعت على أرضها أو أن المتهم هو أحد رعاياها حسب نص المادة (12) من الاتفاقية. وبالتالي، فإن الشكوى المقدمة تنطلق من هذا الأساس فيما يبدو، ومن ثم تطلب من المدعي العام أن يباشر التحقيقات "من تلقاء نفسه" بحسب نص المادة (13) من الاتفاقية والتي تتيح للمدعي العام القيام بذلك في حال كانت الدولة طرف في الاتفاقية والمتهم هو أحد رعاياها وبناءً على معلومات موثوقة من منظمات حكومية أو غير حكومية أو حتى أفراد (العبرة بجدية وموثوقية المعلومات بالنسبة للمدعي العام) عن جرائم ارتكبت وتدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لممارسة الاختصاص.
  2. هل السيد خالد مشعل مسؤول مسؤولية جنائية مباشرة أو بالإشتراك المباشر عن عمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي حصلت في قطاع غزة؟ أي بمعنى هل قام بها هو شخصياً أو اشترك مباشرة في ارتكابها من خلال إصدار الأوامر أو التعليمات المباشرة بارتكابها وهل هنالك أدلة قوية تثبت ذلك؟ في حال العجز عن إثبات المسؤولية المباشرة، وهي مسألة بالغة التعقيد، فإن المدعى العام سيرد الشكوى لانعدام السؤولية الفردية أو بالإشتراك المباشر.
  3. هل عمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي جرت في قطاع غزة تدخل ضمن "الجرائم ضد الإنسانية" التي ينعقد لها اختصاص المحكمة؟ وهنا نجد أن اتفاقية روما تنص في المادة (7) المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية على أن تكون تلك الجرائم قد ارتكبت في إطار "هجوم واسع النطاق أو منهجي" وموجه ضد مجموعة من السكان المدنيين وعن "قصد وعلم بهذا الهجوم" الذي يستهدف المدنيين. وبالتالي، فإن على المدعي العام والمحكمة لاحقاً إثبات أن عمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي جرت في غزة تدخل في مفهوم الجرائم ضد الإنسانية المبين في اتفاقية روما وكذلك المسؤولية الجنائية الفردية مباشرة أو بالاشتراك المباشر عن ارتكابها وهي مسألة بالغة الصعوبة والتعقيد.
  4. لو افترضنا جدلاً أن المدعي العام قد اعتبر أن عمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي جرت في قطاع غزة تندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية لغايات انعقاد الاختصاص للمحكمة، فإنه عندئذ يتوجب عليه أن يفحص أن الجرائم المزعومة والتي تندرج في إطار اختصاص المحكمة هي "على درجة كافية من الخطورة" بما يبرر السير في إجراءات التحقيق الأولي بشأنها حسب ما تقتضية المادة (17) من اتفاقية روما، ومن ثم عليه أن يأخذ إذن الدائرة التمهيدية في المحكمة للانتقال إلى التحقيق الرسمي في الشكوى المقدمة. وهنا، ولاعتبارات عديدة، سيكون من الصعب جداً على المدعي العام، وعلى الدائرة التمهيدية للمحكمة أيضاً، السير قدماً في متابعة الشكوى، بناءً على هذا الأساس القانوني، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل خلال هجومها العسكري الأخير على قطاع غزة، بما سيؤدي في نهاية المطاف إلى عدم قبولها على هذا الأساس أيضاً. مع الأخذ بعين الاعتبار كذلك نص المادة (53) من اتفاقية روما التي تتيح للمدعي العام عدم الشروع في التحقيق إذا ما رأى أن هنالك "أسباباً جوهرية" تدعو للاعتقاد بأن إجراء التحقيق والحالة تلك لن يخدم مصالح العدالة.
  5. لو افترضنا جدلاً أن المدعي العام قد اعتبر أن هنالك أساس معقول لاعتبار عمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي جرت في غزة تندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية، وأثبت المسؤولية الجنائية بالاشتراك المباشر، وأنها على درجة كافية من الخطورة للسير قدما في الشكوى والتحقيقات، وأن الشروع في التحقيق فيها سيخدم مصالح العدالة، وافترضنا أيضاً أن الدائرة التمهيدية في المحكمة قد أعطت الإذن للمدعي العام للسير في التحقيقات الرسمية، فإن على المدعي العام أن يرسل إشعاراً للدولة الطرف للتحقيق في هذه الشكوى، لأن اختصاص المحكمة هو اختصاص "مكمل" لاختصاص القضاء الوطني، وليس بديلاً عنه، وهنا إذا تولى القضاء الوطني للدولة الطرف (الأردن) متابعة الشكوى والتحقيقات خلال شهر من تلقي ذلك الإشعار فلا يعود هناك اختصاص للمدعي العام للسير في إجراءات التحقيق، ما لم يتضح بأن الإجراءات المتخذة هي شكلية وصورية، وإذا ما اتضح ذلك للمدعي العام فيقوم عندئذ بالعودة مجدداً لأخذ إذن الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية للسير في إجراءات التحقيق ومن ثم عرض القضية على المحكمة، والتي هي صاحبة القول الفصل في مصير الشكوى، علماً بأن الأفراد لا يحاكموا أمام المحكمة الجنائية الدولية إلاّ "حضورياً" مع توفير كافة ضمانات المحاكمة العادلة كما تنص الاتفاقية بطبيعة الحال.


ما مصير الشكوى المقدمة ضد السيد خالد مشعل؟

 إن المسائل والإشكاليات الرئيسة إعلاه، التي ستواجه المدعي العام، والمتعلقة بالشروط المسبقة لممارسة الاختصاص ومقبولية الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، وبخاصة ما يتعلق بالمسؤولية الجنائية المباشرة، وتوصيف ما حصل في غزة بأنه يندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية، وأنه على درجة كافية من الخطورة بما يبرر السير في إجراءات التحقيق، ومدى مساهمة السير في الإجراءات في خدمة مصالح العدالة، على النحو المبين في نصوص اتفاقية روما، من شأنه أن يدفع المدعي العام لتلك الاعتبارات وغيرها، وبعد إجراءات طويلة يتسم بها عمل المحكمة، إلى عدم قبول الشكوى المقدمة ضد السيد خالد مشعل وعدم السير في إجراءاتها والتحقيقات بشأنها في نهاية المطاف.

 

كلمة أخيرة

إن هذه الشكوى المقدمة تثير مسألتين غاية في الأهمية، لطالما أكدنا عليهما؛ الأولى تتعلق بوجوب الوقف الفوري التام لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي تجري في قطاع غزة احتراماً لمبدأ سيادة القانون والحق في المحاكمة العادلة في جميع الظروف والأحوال، وحفاظاً على صورة الفلسطينيين ومقاومتهم المشروعة في ظل محاولات مستميتة تستهدف تشويه قضيتهم وحقهم المكفول في القانون الدولي بمقاومة المحتل وتقرير المصير. وهذا بطبيعة الحال لا ينتقص من أهمية وضرورة ملاحقة العملاء وإنزال أقصى العقوبات الرادعة بحقهم وفق القانون وأمام القضاء.

والثانية تتعلق بحاملي الجنسية المزدوجة وبخاصة المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، وأقصد هنا من يحمل جنسيات دول أوروبية أطراف في اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية، وتعرضوا لانتهاكات جسيمة للقانون الدولي وبخاصة خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وما رافقه من هجمات عشوائية واسعة استهدفت السكان المدنيين والممتلكات والأعيان المدنية المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني وعمليات القتل العمد للمدنيين الفلسطينيين التي جرت على نطاق واسع والتدمير الممنهج للمنازل والأبنية السكنية للمدنيين وغيرها من الجرائم التي ارتكبت في قطاع غزة وتندرج في إطار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب اتفاقية روما، وتجهيز ملفات قضائية مهنية بهذا الجانب تحديداً، ورفع شكاوى بشأنها أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهذا التوجه الهام يمكن أن يتم بالتوازي، ولا يتعارض بطبيعة الحال، مع السير قدماً للضغط باتجاه انضمام دولة فلسطين إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لتحقيق الردع لمجرمي الحرب الإسرائيليين والوصول إلى محاكمة قادة ومسؤولي الاحتلال الإسرائيلي عن الانتهاكات الجسمية للقانون الدولي التي ارتكبت بحق الفلسطينيين وينعقد لها اختصاص المحكمة.