القائمة الرئيسية
EN
نظرة قانونية على خطة الحكومة التقشفية للعام 2012
د. عصام عابدين
06، ديسمبر 2012


ministry-of-financeبالأمس القريب تحدث رئيس الحكومة د. سلام فياض عن نمو اقتصادي بنسبة 9% وعن سعي لتخفيض الاعتماد على المساعدات الخارجية وصولاً إلى الاستغناء عنها في 2013 رغم وجود الاحتلال وعن ما يقارب 2000 مشروع تم انجازه خلال عام واحد أي بمعدل خمسة مشاريع يومياً، والآن هنالك أزمة مالية قد تشل عمل السلطة الوطنية الفلسطينية والكلام أيضاً لرئيس الحكومة، وبالتالي فإن تلك السيناريوهات حادة التفاؤل أحياناً وحادة التشاؤم أحياناً أخرى تحتاج من باب المكاشفة إلى توضيح وتبرير وتفسير كي نفهم أين نحن على الأقل، وماذا يجري حولنا، ومن ثم نتمكن من نقاش وإيجاد حلول لما يجري.

كلام رئيس الحكومة يشير إلى ضرورة توفير احتياج مالي أو تخفيض إضافي في العجز الجاري بقيمة 350 مليون دولار وذلك لإمكانية بناء موازنة قابلة للتمويل وبخاصة بعد دخول الحكومة عام 2012 بعجز جاري مقداره 815 مليون دولار ومتوقع أن يصل هذا العجز خلال هذا العام إلى 1.1 مليار دولار وبالتالي فهناك حاجة لبقاء العجز الجاري عند حد 750 مليون دولار لاعتبارات التمويل، ومن هنا ظهرت الأزمة المالية والاحتياج لتوفير مبلغ 350 مليون دولار ومغزى الخطة التقشفية للحكومة. 

هذا الوضع ليس مثالياً، ولكنه ليس جديداً أيضاً على الأداء المالي والموازنات السابقة التي قدمتها الحكومة، ولا يصل بالتوصيف حد الأزمة المالية التي قد تشل عمل السلطة الفلسطينية كما يصور دون التقليل من شأنها طبعاً، ولكنه بالمقابل يطرح تساؤلات في السياسات المالية المتبعة ماضياً وحاضراً ومدى ارتباطها بالخطط التنموية، بعيداً عن لغة البنود والأرقام، ومدى وجود أولويات في عملية الإنفاق وسياسة ضبط وترشيد في النفقات العامة التي تضاعفت بنحو ثلاث مرات منذ عام 2000 ولغاية الآن (من 1.3 مليار دولار لتصل إلى نحو 3.5 مليار دولار) مقابل الاعتماد على إيرادات في معظمها غير مؤكدة وثبات إلاّ ما ندر في الإيراد المحلي، وعن مدى وجود توزيع عادل للإنفاق على قطاعات الموازنة في ظل حصول القطاع الاقتصادي على أقل من 5% من الإنفاق العام وحصول القطاع الزراعي على أقل من 1% فيما يستحوذ قطاع الأمن على ثلث الإنفاق في الموازنة، وعن مدى وجود هامش من المرونة للتحرك أصلاً في الموازنات العامة عندما تصل نسبة الإنفاق الجاري إلى 82% وما يتبقى نفقات تطويرية مرهونة بالتمويل الخارجي. كانت وما زالت هنالك حاجة ماسة للإجابة على تلك التساؤلات وغيرها وإلاّ فهنالك خلل بنيوي مزمن في التعاطي مع الموازنات العامة كما في تنفيذها والرقابة عليها.

كما أن هنالك سؤال محدد لرئيس الحكومة ووزير المالية يتعلق بفاتورة الرواتب والأجور التي تستنزف ثلثي الإيرادات، ولن نعود كثيراً للوراء في هذا البند الذي يشكل العبء الأثقل على الموازنة العامة فالكلام فيه طويلٌ حقاً ويكفي الرجوع إلى التقارير السنوية السابقة الصادرة عن لجنة الموازنة والشؤون المالية في المجلس التشريعي بشأن بند الرواتب والأجور والتوصيات المتكررة الموجهة للحكومة في هذا المجال ومدى استجابة الحكومة لتلك التوصيات المتكررة! الحديث هنا فقط عن فاتورة الرواتب والأجور عن الأعوام 2010 -2012 التي ظهرت فيها تلك الأزمة المالية، حيث بلغت فاتورة الرواتب والأجور مقدر في العام 2010 (1.531 مليار دولار) ويتوقع أن تصل بحسب مشروع موازنة 2012 إلى مبلغ ( 1.825 مليار) أي بفارق يقترب من مبلغ 300 مليون دولار، وبالتالي كيف يمكن تفسير احتياج مالي لتجاوز الأزمة بقيمة 350 مليون دولار في مقابل ارتفاع فاتورة الرواتب والأجور في مشروع موازنة 2012 عما كانت عليه في موازنة 2010 بنحو 300 مليون دولار وما مدى ارتباط هذا الارتفاع الكبير في الفاتورة بالشفافية في التعيينات والترقيات واحترامها لقانون تنظيم الموازنة وللموازنات المقرة؟!

وهذا بالطبع لا يقلل من أهمية الملاحظات التي أبداها رئيس الحكومة في مجال الانقسام الداخلي وتأثيره على الواقع المالي والاقتصادي وعلى وحدة حساب الخزينة وكلفته المالية في حرمان السلطة الوطنية من إيرادات هامة متصلة بالنشاط الاقتصادي وبخاصة فيما يتعلق بعدم الحصول على فواتير المقاصة من التجار في قطاع غزة وإن كان يطرح تساؤلاً حول عدم إثارة هذا الموضوع الهام سابقاً والإجراءات التي اتبعت بهذا الخصوص وما يتعلق أيضاً بفواتير الكهرباء والتحويلات الطبية الخارجية.

وإذا كانت الدعوة للحوار للبحث في الأزمة المالية مسألة صحية على صعيد المشاركة في اتخاذ القرار، فإن التفاعلات الشعبية التي تجاوزت الدائرة النخبوية على الخطة التقشفية للحكومة بعد تعميمها أو تسريبها بغض النظر هي صحية أيضاً على صعيد تعزيز المواطنة وحق المشاركة في رسم السياسة العامة واتخاذ القرار. وحتى يكون هذا الحوار منتجاً ويحقق أهدافه من الضروري الاتفاق على عنوانه وجدول أعماله وبنوده ومدة زمنية معقولة لإنجازه وآلية واضحة وملزمة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. وفي إطار العنوان وهو مهم بتقديرنا فإنه من الضروري الاتفاق على سقف الحوار هل سينصب على مناقشة الأزمة المالية الحالية وسبل الخروج منها أم على مراجعة السياسات المالية والاقتصادية للحكومة؟ وهنا نحن نتفق مع من يرى بأنه من الأجدى في الوقت الحالي على الأقل أن ينصب الحوار على العنوان الخاص بالأزمة المالية الحالية فقط لاعتبارات عديدة من بينها تركيز الحوار على الأزمة وسبل الخروج منها وعدم تشتيته بحيث يأخذ مسارات مختلفة فتضيع الجهود ويضيع الحوار.

والحوار بتقديرنا يحتاج إلى مقدمات لإنجاحه تتعلق بتراجع الحكومة عن رزمة التشريعات الخاصة بالخطة التقشفية لاعتبارات عديدة من بينها الاعتبارات الدستورية التي سنأتي عليها ولغياب المشاركة المجتمعية في دراستها ونقاشها والاتفاق عليها قبل إقرارها، وهذا مطلبٌ يلقى تأييداً كبيراً في أوساط المجتمع، وأشير هنا إلى أن التعليق المؤقت لغاية 15/2 الذي أعلنت عنه الحكومة استهدف قرارها الصادر بتاريخ 1/1/2012 بتعديل النسب والشرائح الضريبية بعيداً عن القرار بقانون رقم (8) لسنة 2011 بشأن ضريبة الدخل وهو الذي أثار أساساً موجة الاحتجاجات الواسعة عليه قبل أن تُفاجئ الحكومة الجميع بقرارها.

ونعتقد بأنه من الأجدى أن تناقش السياسات المالية والاقتصادية في ظل حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية وليس حكومة تسيير أعمال وبرلمان بكامل أدواته الرقابية ومشاركة مجتمعية ومصالحة وطنية منجزة، حتى يحقق أهدافه وإنجازات ملموسة في ظل نظام سياسي صحي وإطار من الشرعية الدستورية، وينطلق من أننا سلطة تحت احتلال يصادر أرضنا ويدمر اقتصادنا وينهب ثرواتنا، احتلال ليس مجانياً بل يربح كثيراً من احتلاله، ويجب أن يتحمل فاتورة احتلاله اقتصادياً ومالياً بموجب القانون الدولي الإنساني، وأية اتفاقيات اقتصادية أو غيرها يجب أن تحترم قواعد القانون الدولي الإنساني، هكذا يجب أن يكون خطابنا وأداؤنا ونهج عملنا، وهكذا يجب أن نبني علاقاتنا مع الآخرين من ممولين وغيرهم، كيف نطالب العالم بإلزام إسرائيل باحترام اتفاقية جنيف الرابعة ونحن نخالفها في بروتوكول باريس الاقتصادي الذي يدمر الاقتصاد الفلسطيني ويجعل مفاتيحه وأسواقنا بيد الإسرائيليين؟! إن اتفاقية جنيف الرابعة تؤكد صراحة في المادة (47) على بطلان أية اتفاقيات تعقدها السلطة الواقعة تحت الاحتلال مع دولة الاحتلال إذا كانت تنتقص من حقوق المواطنين المحميين الواقعين تحت الاحتلال.

هنالك فاتورة مالية يجب أن يدفعها الاحتلال من جراء احتلاله بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وبموجب اتفاقية لاهاي لعام 1907 التي أكدت في المادة (48) على وجوب أن تتحمل قوة الاحتلال فاتورة النفقات المالية في الأرض المحتلة، وبموجب الفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية بشأن جدار الضم عام 2004 والتي أكدت على عدم الاعتراف بالوضع القائم بالأرض الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال وعلى عدم المساعدة على الاستمرار بتلك الجريمة وعلى وجوب التدخل لوقف الانتهاكات التي تمارسها سلطة الاحتلال بناءً على الالتزامات التي تفرضها اتفاقية جنيف الرابعة على أطرافها. خطابنا وسياستنا وأداؤنا يجب أن يكون واضحاً أمام المانحين والعرب والجميع، هم جمعياً ملزمين بضمان تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينية المحتلة وبإلزام إسرائيل سلطة الاحتلال بأحكامها. يجب بناء استراتيجية عمل ثابتة وواضحة ومثابرة وليست موسمية على المستوى الدولي في مسألة العضوية في الأمم المتحدة والاستفادة من مختلف أجهزتها والانضمام للاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوقنا واقتصادنا بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاستفادة من آليات تنفيذ تلك الاتفاقيات والانضمام للمنظمات الدولية، فهذا مجال لا يمكن الفصل فيه بين السياسة والقانون والاقتصاد وكلّ يدعم الآخر.

خطة الحكومة التقشفية للعام 2012

هي باختصار عملية جرد للتشريعات السارية كمحاولة لتخفيض العجز الجاري بقيمة 350 مليون دولار، دون أي توضيح أو تبرير أو تقييم لمدى جدواها وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية، إننا أمام خطة جامدة استهدفت التشريعات دون دراسة جدوى أو حتى مذكرات إيضاحية لهذا الاستهداف، ودون أي اهتمام أو حتى اكتراث بإصلاح وتطوير التشريعات المستهدفة، علماً بأن بعضها متوارث من العهد الأردني وبعضها متوارث من فترة الانتداب، وبما يخالف أبسط قواعد التدخل التشريعي وخصائص القاعدة القانونية التي توصف بأنها اجتماعية توضع لتلبية احتياجات المجتمع وليس احتياجات الحكومة المالية فقط.

هنالك مسألة دستورية هامة ينبغي أن لا تغيب عن أذهان الحكومة في أدائها وفي خطتها التقشفية وهي أنها "حكومة تسيير أعمال" بعد أن قدمت استقالتها في شباط 2011، وحكومة تسيير الأعمال لا يجوز لها دستورياً أن تقوم بإعداد تشريعات ورفعها للرئيس لإصدارها بقرارات بقوانين أو أن تقوم هي بإصدار تشريعات أياً كانت درجتها تحت عنوان الخطة التقشفية أو غيرها أو حتى أن تقوم بإعداد موازنات مالية، وقيامها بتلك الإجراءات يشكل مخالفة دستورية مباشرة للقانون الأساسي وتحديداً المادة (78/3) منه والتي تؤكد على أنه لا يجوز دستورياً لحكومة تسيير أعمال أن تتخذ من الإجراءات إلاّ ما هو لازم وضروري لتسيير الأعمال التنفيذية ليس إلاّ، وهناك فرق واسع بين حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية وحكومة تسيير أعمال، سواء في قانوننا الأساسي أو في مختلف دساتير الدول، وهذه مسألة دستورية هامة تحتاج الوقوف عندها ملياً.

وأدوات التدخل الحكومي المتوازن التي يتحدث عنها رئيس الحكومة ينبغي أن تحترم أولاً وقبل كل شيء مبدأ سيادة القانون كأساس للحكم الصالح، ومن ثم أن توازن بين موضوع جباية الضرائب والرسوم وغيرها وبين مدى وجود خطط تنموية وتطبيق على الأرض للحد من مشكلات الفقر والبطالة وغلاء المعيشة وما يتعلق بتحديد حد أدنى للأجور وتوفير شبكة أمان اجتماعي وضمان عدالة اجتماعية وحماية الفئات المهمشة وتحفيز القطاع الخاص ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وحماية المنتج المحلي ودعم الزراعة والصادرات وحماية السوق وقناعة بعدم إمكانية الحديث عن فلسفة اقتصاد حر في ظل وجود احتلال.

أبرز الإجراءات التشريعية المقترحة في خطة الحكومة التقشفية 2012 والتعليق القانوني عليها:

مشروع قرار مجلس الوزراء لسنة 2011 بشأن الإحالة على التقاعد المبكر

استهدف مشروع القرار المذكور، الذي لم يجر إقراره من مجلس الوزراء أمام ردة الفعل الشعبية القوية التي أحدثها، علماً بأنه أول مشروع مدرج على الخطة التقشفية، تعديل أربعة قوانين سارية للتقاعد فيما يخص عملية الإحالة الإلزامية على التقاعد المبكر، وهي قانون التقاعد المدني رقم (34) لسنة 1959 لمن أتموا خمس عشرة سنة خدمة مقبولة للتقاعد، وقانون التأمين والمعاشات رقم (8) لسنة 1964 لمن أتموا عشرين سنة مقبولة لغايات التقاعد، وقانون التقاعد العام رقم (8) لسنة 2005 وتعديلاته لمن أتموا خمس عشرة سنة مقبولة للتقاعد على أن لا يقل الراتب التقاعدي عن 50% من متوسط رواتب آخر ثلاث سنوات معتمدة لغايات التقاعد، وقانون التأمين والمعاشات لقوى الأمن الفلسطيني رقم (16) لسنة 2004 من خلال التنسيب للرئيس بصفته القائد الأعلى لغايات إحالة الموظفين الخاضعين لأحكامه على التقاعد المبكر حيث لا يسمح القانون المذكور مبدئياً بالإحالة على التقاعد المبكر بمعزل عن هذا الإجراء. وأمّا التعليق القانوني فهو على النحو التالي:

  1. لا تستطيع الحكومة دستورياً القيام بهذا الإجراء التشريعي، كونها حكومة تسيير أعمال، وقيامها بهذا الإجراء يشكل مخالفة مؤكدة لأحكام نص المادة (78/3) من القانون الأساسي الواردة بشأن حدود صلاحياتها الدستورية كحكومة تسيير الأعمال.
  2. لا يوجد أي مبرر قانوني أو حتى منطقي لأن تقوم الحكومة بتحميل الموظفين المستهدفين بالإحالة القسرية على التقاعد تبعات نهج سياساتها الخاطئة في مجال التوظيف الحكومي، وجميع التقارير الصادرة عن لجنة الموازنة والشؤون المالية في المجلس التشريعي الأول الواردة على جميع الموازنات العامة التي قدمتها الحكومة دون استثناء أكدت وجود عشوائية وغياب في الضوابط والمعايير ومخالفات لأحكام قانون تنظيم الموازنة والشؤون المالية وقوانين الموازنات المقرة ذاتها في عملية التوظيف الحكومي، ولا يمكن عقلاً ومنطقاً فهم هذا التوجه في ظل ارتفاع فاتورة الرواتب والأجور في مشروع الموازنة المقترحة للسنة المالية 2012 بما يقارب 300 مليون دولار عن موازنة 2010 كما سبق القول، علماً بأن الحكومة قد أدرجت تعيينات أو إحداثات وظيفية جديدة في موازنة 2010 بعدد (3629 موظفاً جديداً) مع ملاحظة أنها لا تلزم عادة بالتعيينات المدرجة على كشف الموازنة في مرحلة تنفيذها بحيث يتم زيادة الأعداد خلافاً لأحكام قانون الموازنة والحديث هنا فقط عن سنة 2010 التي بدأ فيها الوضع المالي بالتراجع وفقاً للتصريحات الصادرة عن رئيس الحكومة، وعلماً بأن قانون التقاعد العام 2005 مثلاً يشترط صراحة في المادة (118) التي استندت إليها الحكومة تحقق "مصلحة عامة" من الإحالة على التقاعد المبكر.
  3. لم تكترث الحكومة بمدى الحاجة لإجراء " إصلاحات فعّالة" على قوانين التقاعد بما يضمن تحقيق عدالة وحماية اجتماعية للمنتفعين بأحكامها، رغم الفجوة الواسعة بين تلك القوانين، ولا زلنا أمام خمسة قوانين للتقاعد الأربعة أعلاه إضافة إلى القانون الخاص برواتب وتقاعد أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين، والسؤال لماذا؟! علماً بأن تلك القوانين تنطوي على تباينات واختلافات واضحة في الاشتراكات وحجم المنافع وشروط الاستفادة من التقاعد المبكر وغيرها.
  4. اهتمام الحكومة انصب فقط على عملية إحالة نحو 26 ألف موظف ممن تنطبق عليهم الشروط على التقاعد المبكر، للتوفير في فاتورة الرواتب في حين أنها ماضية على قدم وساق في التعيينات ومع تساؤلات عن مدى شفافية إجراءات التعيين والترقية في الوظيفة العمومية وانسجامها مع أحكام القانون، ودون دراسة تأثير هذا الإجراء على هيئة التقاعد وصناديق التقاعد التي لا يمكن أن تحتمله ولا يبدو أن مشاورات قد حصلت مع هيئة التقاعد وديوان الموظفين العام بهذا الخصوص، ودون ملاحظة مدى تأثير هذا الإجراء على الموظفين المستهدفين الذين سيتقاضون 50% من متوسط الراتب في ظل تآكل الأجور والتزاماتهم البنكية وانعكاس ذلك على علاقتهم بالبنوك وعلى البنوك وعلى البطالة في الأرض الفلسطينية. ألم يكن من الأجدى القيام بإجراء "إصلاحات جدية" في الجهاز الإداري الوظيفي وتفعيل الرقابة الداخلية والخارجية على الأداء واتخاذ إجراءات فعّالة يسمح بها قانون الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية والقيام بمعالجات للانحرف الوظيفي تصل إلى إمكانية الفصل من الخدمة.
  5. مشروع القرار الخاص بالإحالة القسرية على التقاعد المبكر هو إجراءٌ حكوميٌ مباغتٌ بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وذلك لأن هذا المشروع لا يعطي أية فرصة إطلاقاً للموظفين المستهدفين بالتقاعد لإمكانية تدبر أمورهم وأحوال معيشتهم بعد الإحالة على التقاعد القسري، حيث نجد أن المادة (5) من مشروع القرار تُلزم كل دائرة حكومية برفع قوائم بالموظفين المستهدفين خلال مدة أقصاها أسبوع من تاريخ صدور القرار لحسم الأمور. بل ونجد أن المادة (4) منه تنص على أن لرئيس الدائرة الحكومية بموافقة مجلس الوزراء استثناء أي موظف تنطبق عليه الشروط بطلب خطي يوضح مدى الاحتياج ودون أية إشارة لأي ضوابط أو معايير بهذا الخصوص أو حتى إمكانية أو إجراءات للتظلم تحول دون إساءة استخدام السلطة في التطبيق العملي.

القرار بقانون رقم (8) لسنة 2011 بشأن ضريبة الدخل

أثار هذا القرار بقانون جدلاً كبيراً واعتراضاً من مجموعات العمل البرلمانية في المجلس التشريعي وعدد من الخبراء والقطاع الخاص علاوة على الاحتجاجات الشعبية بطبيعة الحال، ولم يجر عليه أي نقاش مجتمعي أو مشاركة في عملية إعداده قبل عملية الإقرار والنشر والنفاذ، رغم أن مدير عام دائرة ضريبة الدخل قد صرح بأن إعداده استغرق خمسة عشر شهراً، وبمعزل عن الخوض في إيجابيات وسلبيات القرار بقانون المذكور، فهو يُعاني من إشكاليات دستورية تتمثل فيما يلي:

أولاً: استند هذا القرار بقانون للمادة (43) من القانون الأساسي ولا ينطبق عليه الشرط الدستوري الوارد في النص المذكور، والخاص بوجود ضرورة لا تحتمل التأخير لإصداره، لأنها تعني بالمفهوم المستقر دستورياً وجود خطر جسيم داهم وحال يهدد بانهيار كلي أو جزئي لأجهزة أو مؤسسات السلطة أو يهدد الوحدة الوطنية ولا يمكن مواجهته بالإجراءات التشريعية العادية بما يستدعي تدخلاً تشريعياً استثنائياً من الرئيس لمواجهة الخطر الداهم ودون المساس بأية تشريعات لا تتعلق بطبيعة الخطر.

والأحكام القضائية واضحة بهذا الخصوص، ونشير هنا إلى حكم صدر عن محكمة العدل العليا الأردنية ألغت بموجبه القانون المؤقت (يوازي القرار بقانون عندنا) الخاص بالنشر والمطبوعات والذي طالب وسائل الإعلام بتصويب أوضاعها خلال مدة ثلاثة أشهر من تاريخ صدوره، حيث أكدت المحكمة في حيثيات هذا القرار على ما يلي: أَمَا وأن تنظيم وضع الصحافة ليس خطراً داهماً وجسيماً كالحرب والكوارث، ولا يمثل وضعاً طارئاً وملحاً كون الحديث عنه يجري منذ بضعة أشهر، وأَمَا وأن عملية التصويب يمكن أن تمتد إلى ثلاثة شهور كما ينص القانون المؤقت، فهذا كاف لانتفاء شرط الضرورة التي لا تحتمل التأخير وهو لازمٌ لصدور القانون المؤقت وقد قضت المحكمة بنتيجة حكمها بإلغاء هذا القانون المؤقت.

ونشير أيضاً إلى أن قانون ضريبة الدخل الفلسطيني الأصلي رقم (17) لسنة 2004 قد جرى تعديله ثلاث مرات بقرارات بقوانين في الأعوام 2007 و 2008 و2009 قبل صدور القرار بقانون رقم (8) لسنة 2011 ونشره في الوقائع. وبالتالي، فإن القرارات بقوانين الصادرة عن الرئيس، والتي تجاوزت نصف عدد القوانين التي أصدرها المجلس التشريعي السابق على مدار العشر سنوات، باتت تحتاج إلى نقاش جدي ومعالجة في ضوء المفاهيم الدستورية الثابتة، ولا شك أنها ستشكل عبئاً ثقيلاً على أيّ مجلس تشريعي قادم عندما ستعرض عليه دفعة واحدة للمناقشة والإحالة للجان البرلمانية المختصة والإقرار أو الرفض.

ثانياً: القرار بقانون يمنح في المادة (16/5) مجلس الوزراء بتنسيب من وزير المالية صلاحية تعديل الشرائح والنسب الضريبية ويمنح في المادة (12/2) مجلس الوزراء بتنسيب من وزير المالية أيضاً صلاحية تعديل الإعفاءات الضريبية كلياً أو جزئياً، بما يشكل مخالفة واضحة ومباشرة لأحكام المادة (88) من القانون الأساسي والتي تنص على أن " فرض الضرائب العامة والرسوم، وتعديلها وإلغاؤها، لا يكون إلاّ بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها إلاّ بقانون". وبما يعني أن قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 1/1/2012 ضمن رزمة تشريعات الخطة التقشفية والذي جرى تجميده مؤقتاً هو غير دستوري.

ولا يصح في مواجهة عدم الدستورية القول بوجود إيجابيات تتعلق بالمبلغ المعفى من الضريبة (30 ألف شيكل) أو بعدم تأثر الشرائح لغاية 125000 شيكل سنوياً بالتعديل وغيرها، وعلى أي حال فهذه مسائل ينبغي قراءتها في ظل نسبة غلاء المعيشة وتآكل قيمة الرواتب والأجور، ولكن الأهم أن "المعادلة الجديدة" هنا هي أن الحكومة باتت تملك في أيّ وقت تشاء تعديل الشرائح والنسب الضريبية "بقرارات إدارية" صادرة عنها، ولا يوجد أي نظام في العالم يسمح بمثل هذا الإجراء غير الدستوري.

ثالثاً: القرار بقانون يعطي الحكومة والجهات المكلفة بتنفيذه صلاحيات مالية وإدارية بل وقضائية هائلة تتنافى وأبسط المعايير القانونية ويكفي على الصعيد القضائي الإشارة إلى المادة (45) والتي نصت على أن" يصدر مجلس الوزراء الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون بما فيها نظام أصول المحاكمات المتبعة في القضايا الحقوقية المقامة وفق أحكام هذا القانون بما في ذلك الأحكام المتعلقة بدفع الرسوم ومواعيد الطعن ودرجات الطعن وإجراءاته ومحتويات لائحة الطعن ومن له حق رفع الدعوى وجميع الأحكام والإجراءات اللازمة للسير في الدعوى"! لا يمكن فهم أو استيعاب أو حتى تصور هذا النص وما ينطوي عليه من مخالفات دستورية، فتلك الإجراءات تنظم بقوانين قضائية، وما ورد في هذا النص يخالف العديد من الأحكام الدستورية الواردة في باب السلطة القضائية، بل إن السلطة التشريعية تحتاج دستورياً إلى أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى في مثل تلك القوانين قبل إقرارها، علاوة على مخالفة النص المذكور لمبدأ الفصل بين السلطات وحدود الصلاحيات الدستورية للحكومة!

رسوم تسجيل وانتقال الأراضي (الطابو) ورسوم السندات العدلية

بالرغم من الإهمال التاريخي الجسيم في تنظيم الإطار القانوني الخاص بقطاع الأراضي عموماً، بما يضمن الحفاظ عليها ويعزز من صمود مَن عليها ويمنع تسرّبها ويفرض عقوبات جزائية صارمة في حال وقوع هذا التسرّب، في مواجهة هذا الكم الهائل من التشريعات المتوارثة والأوامر العسكرية، ويضع حد للتعدي على الأملاك الخاصة والأملاك الحكومية، إلاّ أن أول تدخل تشريعي للحكومة بعد سبات عميق تناول مسألة زيادة رسوم الطابو ورسوم السندات العدلية وهذا يحتاج إلى وقفة عميقة!

وأمّا فيما يتعلق بالموقف القانوني من هذا الإجراء فهو على النحو التالي:

  1. أي قرار صادر عن الحكومة بشأن تحصيل رسوم على معاملات الأراضي وغيرها من المعاملات هو قرار غير دستوري لمخالفته أحكام المادة (88) من القانون الأساسي التي تؤكد على أن فرض الرسوم لا يكون إلاّ بقانون.
  2. القرار بقانون رقم (1) لسنة 2012 بشأن الرسوم المستوفاة عن الوكالات والإقرارات العدلية والقرار بقانون رقم (2) لسنة 2012 بشأن رسوم تسجيل وانتقال الأراضي غير دستوريان لعدم توفر شرط الضرورة التي لا تحتمل التأخير فيهما إطلاقاً.

 قانون تشجيع الاستثمار رقم (1) لسنة 1998 وتعديلات 2007 والقرار بقانون 2011

من الضروري إعادة النظر في تلك التشريعات، ليس فقط لاعتبارات دستورية، وإنما لاعتبارات تتعلق بالعدالة الضريبية وأهمية دعم وتشجيع الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تمثل الأغلبية الساحقة (99%) من المؤسسات القائمة والمسجلة في فلسطين، وتوظف العدد الأكبر من المستخدمين، بحيث لا تقتصر الإعفاءات الضريبية على المؤسسات الكبرى دون غيرها أياً كانت الاعتبارات التي دفعت لإقرار قانون تشجيع الاستثمار وتعديلاته والتي لا زالت تثير العديد من التساؤلات، ولاعتبارات سياسية أيضاً بالدرجة الأولى تتعلق بالحفاظ على الأرض وبخاصة مع التعديلات التي استهدفت قانون تشجيع الاستثمار ومن بينها التعديل الذي استهدف المادة السادسة منه والتي باتت تجيز للمستثمر غير الفلسطيني الاستثمار في كافة قطاعات المشاريع أو فروعها، وبالنسبة التي يريدها المستثمر الأجنبي من رأس مال هذه المشاريع، وقد بات قانون تشجيع الاستثمار بهذا التعديل وغيره يسير دون أية ضوابط أو محددات تتعلق بالمصالح الوطنية العليا والحفاظ على الأرض.

ونختم التعليق القانوني بما ورد في سياق حديث رئيس الحكومة عن الخطة التقشفية للعام 2012: "واجبنا كحكومة وسلطة وطنية أن ننظر في كافة الخيارات المتاحة وأن نضعها في إطار التداول والنقاش والتقييم في إطار ما يجيزه ويتيحه القانون". فإذا كان هذا هو واجب الحكومة كما يؤكد رئيسها فإن الحوار يبنى على قاعدة المشاركة الحقيقية الفعّالة في رسم السياسة العامة وصنع القرار وأساسه احترام مبدأ سيادة القانون على الجميع كأساس للحكم الصالح، فإن انحرف الحوار عن تلك الثوابت والمفاهيم والمحددات فهنالك إشكالٌ حقيقي في المشروعية يقود بالنتيجة إلى انفراط العقد الاجتماعي.