القائمة الرئيسية
EN
مؤسسة الحق تحذر من استمرار تنفيذ إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال لنظام الفصل العنصري في قطاع المياه في ظل انتشار وباء (كوفييد 19)
26، مارس 2020

22 آذار 2020

يكرَّس اليوم العالمي للمياه والذي يصادف 22 آذار/مارس من كل عام، لقياس مدى التقدم المحرز على صعيد حق كل إنسان بالحصول على المياه بكل يسر وسهولة وضمن الإمكانيات المتاحة، وتسلط هذه المناسبة  الضوء على التحديات التي يواجهها مئات الملايين في جميع أنحاء العالم ممن لا يملكون القدرة على بلوغ هذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان. وفي هذا العام، يواجه أولئك المحرومون من إمكانية الوصول إلى المياه تحديًا إضافيًا بانتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد 19). وفي الوقت الذي تقدم فيه منظمة الصحة العالمية والحكومات في العالم الإرشادات بزيادة مستوى العناية الصحية والبيئية، ولا سيما غسل الأيدي بصورة دورية ووافية، فإن هذا الإجراء الوقائي اليومي بات شبه مستحيل بالنسبة للكثيرين.[1]

ويشمل الحق في المياه مجموعة من العناصر التي يجب توافرها، بما فيها توافر الماء ونوعيته وإمكانية الوصول إليه ماديًا دون تمييز في توزيعه.[2] وعلى الرغم من أن الحق في الماء غدا اليوم يتبوّأ أهمية حاسمة أكثر من أي وقت، ما تزال إسرائيل، وهي السلطة القائمة بالاحتلال، تقيّد قدرة الملايين من الفلسطينيين في جميع أرجاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما يشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، على الوصول إلى المياه النقية والمأمونة وفق المعايير الدولية للحق في الحصول على المياه.

تعاني الأرض الفلسطينية المحتلة من شُحّ في المياه بسبب الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد، وليس كما تدعي إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال أن شح المياه بسبب العوامل البيئية، حيث تُعَدّ هذه الادعاءات زائفة ألّفتها إسرائيل وفرضتها من أجل تسويغ التدابير التمييزية التي تعتمدها في توزيع المياه. ففي الواقع، يفوق المتوسط السنوي لهطول الأمطار في مدينة رام الله الواقعة في الضفة الغربية المحتلة متوسط هطولها في لندن.[3] وتنبع الإمدادات المائية الطبيعية في الأرض الفلسطينية المحتلة من ثلاثة مصادر رئيسية، هي: غور الأردن، والخزان الجوفي الجبلي الذي يمتد من الضفة الغربية إلى داخل الخط الأخضر، والخزان الجوفي الساحلي الذي يقع في محيط قطاع غزة. ومع ذلك، تقع جميع هذه المصادر تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، ولا تزال تخضع لقيود مشدّدة تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلية من خلال شركات إسرائيلية لتوزيع المياه،[4] التي جرى دمج شبكة المياه الفلسطينية ضمنها.[5]

يُحرَم الفلسطينيون من الوصول إلى المياه بصورة مباشرة في الضفة الغربية المحتلة لصالح تمكين المستوطنات الإسرائيلية الغير قانونية من الحصول عليها. وبذلك، يعيش نحو 50,000 فلسطيني من سكان المنطقة (ج) في الضفة الغربية دون إمكانية تيسّر لهم الوصول إلى المياه النقية والمأمونة وميسورة الكلفة.[6] وفضلًا عن ذلك، يُمنع الفلسطينيون من تشييد البنية التحتية المائية التي تخدمهم أو ترميمها من خلال القيود العسكرية التي تفرضها سلطات الاحتلال الاسرائيلي على أعمال البناء، مما يصعب معه تأمين القدر الكافي من المياه لأغراض الاستخدامات المنزلية والمحافظة على الاكتفاء الذاتي والاستقلال الغذائي.[7] وفي ضوء ذلك، يستهلك الفلسطينيون في الأرض الفلسطينية المحتلة ما لا يتجاوز معدله 73 لترًا من المياه في اليوم حتى العام 2016، وهو معدل يقلّ بشكل كبير المعدل الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، والبالغ 100 لتر. وفي المقابل، يستهلك المستوطنون الإسرائيليون نحو 396 لترًا في اليوم، بما يزيد عن ثلاثة أضعاف المعدل الموصى به.[8] وتشير التقديرات إلى أن المستوطنين الإسرائيليين، الذين يقيمون بشكل غير قانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة، ما يتراوح من ثلاثة إلى ثمانية أضعاف كمية المياه التي يستهلكها السكان الفلسطينيون بمجموعهم في الضفة الغربية، باستثناء القدس الشرقية.[9]

تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، خلال العام 2019 أن أسرة واحدم من عشر أسر لم تحظ بإمكانية الوصول إلى المياه النقية والمأمونة بصورة مباشرة.[10] وهذا نتاج الحصار طويل الأمد الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ 12 عامًا، والذي يرقى إلى مرتبة العقوبة الجماعية. حيث لا تسمح إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال بإمداد قطاع غزة سوى 5 في المائة من إمدادات المياه المطلوبة، بينما تُستخرج الكمية المتبقية من الخزان الجوفي الساحلي، الذي أصابه التلوث بدرجة كبيرة، أو من الآبار الخاصة التي لا يستطيع معظم الفلسطينيين تحمُّل تكلفتها.[11] وعلاوةً على ذلك، فإن ما يقل عن 4 في المائة من المياه النقية في غزة يُعَدّ صالحًا للاستخدام البشري.[12] وقد حدا هذا الوضع، وما يقترن به من عوامل أخرى من قبيل ما تقوم به إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، من حرمان الفلسطينيين من الحق في الصحة، بالأمم المتحدة في العام 2012 إلى الخروج بتقدير مفاده أن قطاع غزة سوف يصبح مكانًا لا يصلح للسكن بحلول العام 2020.[13]

ويتسبّب الإغلاق الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ أمد طويل وأزمة المياه والصرف الصحي التي تعصف به في الأصل في تقويض قدرة الفلسطينيين على الوقاية من الآثار التي يخلّفها تفشي فيروس كوفيد 19 والتخفيف منها، وذلك في حال انتشار هذا الوباء في القطاع بعمومه. وفضلًا عن أن جهاز الرعاية الصحية في قطاع غزة بات على شفا الانهيار نتيجةً للإغلاق المفروض عليه منذ 12 عامًا، تمعن إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، في تقويض حق المواطنين الفلسطينيين في الصحة، بما يشمل حقهم في الحصول على الرعاية الصحية. وفي ظل هذا الحال، فقد جعل الإغلاق والحصار اللذين تفرضهما إسرائيل المواطنين في القطاع إلى أشد الناس ضعفًا على امتداد العالم أمام جائحة فيروس كوفيد 19 العالمي.

وفي الوقت الراهن، أشارت السلطة الفلسطينية إلى وجود 59 حالة مصابة بفيروس كوفيد 19 في مختلف أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها 57 حالة مؤكدة في الضفة الغربية[14] وحالتان في قطاع غزة.[15] وفي حين يشكّل هذا الفيروس تهديدًا للعالم بأسره، فإن القيود التي تواصل إسرائيل فرضها على الأرض الفلسطينية المحتلة تعوق قدرة الفلسطينيين على اتّباع الإرشادات الضرورية بشأن الحالة الصحية، والتي لا يُستغنى عنها من أجل إبطاء انتشار الفيروس، إلى حد كبير. وبموجب أحكام القانون الدولي الإنساني، ولا سيما المادة 56 من اتفاقية جنيف الرابعة، يتعين على إسرائيل، بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال، أن تؤمّن جميع الوسائل الوقائية المتاحة لوقف انتشار الأمراض المعدية والأوبئة.[16] ووفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ينبغي لإسرائيل أن تحترم حق الفلسطينيين في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه وحقهم في مستوى معيشي كافٍ لهم ولأُسرهم، بما يشمل ما يفي بحاجتهم من المياه والصرف الصحي، وأن تكفل حماية هذه الحقوق وأن تفي بها.[17]

وفي هذا السياق، يشكّل ’نظام الفصل العنصري الذي تنفذه إسرائيل في قطاع المياه‘،[18] اعتداءً ممنهجًا يستهدف حق المواطنين الفلسطينيين في المياه، فضلاً عن كونه انتهاك مباشر يطال الحق الأهمّ الواجب للفلسطينيين في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، وذلك في وقت يشهد أزمة عالمية لم يسبق لها مثيل. وبناءً على ذلك، تدعو مؤسسة الحق الدول، وأسرة المجتمع الدولي والولايات الخاصة بالأمم المتحدة إلى الاعتراف بأن السياسات والممارسات التي تنفذها إسرائيل على صعيد إمكانية الوصول إلى المياه في الأرض الفلسطينية المحتلة تُعَدّ حرمانًا جسيمًا وممنهجًا من الحق في الصحة والمياه والصرف الصحي، قد يرقى إلى جريمة فصل عنصري.[19] وتحث الدول الإيفاء بالتزاماتها كأطراف متعاقدة على اتفاقيات جنيف الأربعة وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، واتخاذ تتخذ تدابير إيجابية تكفل وضع حد لهذا الوضع الذي يتنافى مع القانون الدولي.[20]


[1]  الأمم المتحدة، "اليوم العالمي للمياه"، على الموقع الإلكتروني: https://www.un.org/ar/observances/water-day.

[2] لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ’التعليق العام رقم 15: الحق في الماء (المادتان 11 و12 من العهد)‘، الدورة التاسعة والعشرون (2002)، وثيقة الأمم المتحدة رقم ()، الفقرة 12.

[3] Al-Haq, Business and Human Rights in Palestine (2016) pg 30-33, available at: http://www.alhaq.org/cached_uploads/download/alhaq_files/publications/Business%20and%20Human%20Rights%20Booklet.pdf; Al Jazeera, ‘Israel: Water as a tool to dominate Palestinians’ (23 June 2016), available at: https://www.aljazeera.com/news/2016/06/israel-water-tool-dominate-palestinians-160619062531348.html.

[4] المصدر السابق، ص. 30.

[5] Al-Haq, Thirsting for water, 20 years after Oslo (17 September 2013), available at: http://www.alhaq.org/publications/6716.html.

[6] Al-Haq, Adaptation Under Occupation: Climate Change Vulnerability in the Occupied Palestinian Territory (2019) pg. 33-34, available at: http://www.alhaq.org/cached_uploads/download/2019/10/03/climate-change-web-version-1570102221.pdf.

[7] المصدر السابق، ص. 36

[8] Al-Haq, Business and Human Rights in Palestine (2016) pg 31-32, available at: http://www.alhaq.org/cached_uploads/download/alhaq_files/publications/Business%20and%20Human%20Rights%20Booklet.pdf.

[9] Al-Haq, Adaptation Under Occupation: Climate Change Vulnerability in the Occupied Palestinian Territory (2019) pg. 33-34, available at: http://www.alhaq.org/cached_uploads/download/2019/10/03/climate-change-web-version-1570102221.pdf.

[10] UNICEF, Searching for clean water in Gaza (10 January 2019), available at: https://blogs.unicef.org/blog/searching-clean-water-gaza/.

[11] المصدر السابق.

[12] Oxfam, Failing Gaza: undrinkable water, no access to toilets and little hope on the horizon, available at: https://www.oxfam.org/en/failing-gaza-undrinkable-water-no-access-toilets-and-little-hope-horizon.

[13] See UN, Living conditions in Gaza ‘more and more wretched’ over the past decade, UN finds (11 June 2017), available at: https://news.un.org/en/story/2017/07/561302-living-conditions-gaza-more-and-more-wretched-over-past-decade-un-finds.

[14] The Guardian, ‘Gaza confirms first coronavirus cases as West Bank shuts down’ (22 March 2020), available at: https://www.theguardian.com/world/2020/mar/22/gaza-confirms-first-coronavirus-cases-as-west-bank-shuts-down.

[15] Al Jazeera, ‘Fear, anxiety as besieged Gaza confirms first 2 coronavirus cases’ (22 March 2020), available at: https://www.aljazeera.com/news/2020/03/gaza-confirms-coronavirus-cases-ongoing-blockade-200322072036366.html.

[16] المادة 56، اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب (اتفاقية جنيف الرابعة) (اعتمدت في يوم 12 آب/أغسطس 1949 ودخلت حيز النفاذ والسريان في يوم 21 تشرين الأول/أكتوبر 1950)، وثيقة الأمم المتحدة (75 UNTS 287).

[17] المادتان 11(1) و12(1)، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (اعتمد في يوم 16 كانون الأول/ديسمبر 1966 ودخل حيز النفاذ والسريان في يوم 3 كانون الثاني/يناير 1976)، وثيقة الأمم المتحدة (993 UNTS 3).

[18] مؤسسة الحق، "مياه لشعب واحد فقط: التمييز في الحصول على الماء ونظام الفصل العنصري في قطاع المياه" (2013)، على الموقع الإلكتروني: http://www.alhaq.org/ar/advocacy/2513.html.

[19] انظر، في هذا الخصوص:

Palestinian, regional, and international groups submit report on Israeli apartheid to UN Committee on the Elimination of Racial Discrimination (12 November 2019), available at: http://www.alhaq.org/advocacy/16183.html.

[20] International Court of Justice, Legal Consequences for States of the Continued Presence of South Africa in Namibia (South West Africa) notwithstanding Security Council Resolution 276 (Advisory Opinion) (1971), para 126.